لولا نبيه بري..!
كتب داني حداد في موقع mtv
يجب على كلّ لبناني أن يطرح على نفسه هذا السؤال اليوم: ماذا لو لم يكن نبيه بري رئيساً لمجلس النوّاب في هذه المرحلة؟
أعاد حزب الله صفة “الأخ أكبر” الى بري. لطالما ذهب “الحزب” في خياراته بمفرده، من دون الوقوف على خاطر “الأخ”، وعلى خاطر البلد. محطّة 8 تشرين الأوّل ٢٠٢٣ أبرز مثال، وقبلها محطّات كثيرة في السياسة، من أبرزها انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهوريّة. وغالباً ما اكتشف “الحزب”، ولو لم يعترف، أنّ بري على حقّ.
لا يملك أحدّ بين لاعبي السياسة اللبنانيّة ما يمتلكه بري من خبرة. قد تختلف معه، وهذا حقّ، في عادي الأيّام، ولكن في أحلكها، كالتي نعيشها اليوم، عليك أن تعترف له وبه مرجعيّةً وطنيّة، لا يغامر بالبلد، كما لا يغامر بطائفته. لا يزايد أحدٌ عليه في عدائه لإسرائيل. ولا يزايد أحدٌ عليه في القدرة على بناء الجسور مع الآخرين في هذا الوطن، وما من مشهدٍ أقسى عليه من رؤية الجنوب يُدمّر بفعل حربٍ يدرك جيّداً أنّه كان من الأجدى تجنّبها، من أجل الجنوبيّين الذين تحوّل معظمهم الى نازحين، ومن أجل لبنان الذي كان، حتى قبل العدوان، كبناءٍ مهدّدٍ بالسقوط.
الحاجة ملحّة اليوم الى الدور الذي يقوم به بري. دور الضمانة للطائفة الشيعيّة، فلا يجعلها تنحو باتّجاه إعلان انتصار قد يستفزّ كثيرين، وهم يدركون حجم الخسائر، ويحميها من الشامتين الذين يترقّبون لحظة نهاية الحرب لحصد مكاسبها، “من الرئاسة وجِرّ”.
والحاجّة ملحّة لبري كي يكون صوت العقل، في زمن الأصوات التي تخرج من رؤوسٍ حامية أو قلوبٍ مكسورة، ومن الأفعال وردود الأفعال التي قد تأخذ البلد نحو اقتتالٍ بين أهله يتفرّج عليه الإسرائيلي كما يتفرّج اليوم على موتنا، باسماً محتفلاً.
والحاجة، أيضاً وأيضاً، الى نبيه بري كي يقود طائفته الى برّ الأمان اللبناني، أي الدولة، بعيداً عن أمواج المحاور الإقليميّة وقد صفعتنا من كلّ جانب، حتى بات البلد أشبه بسفينةٍ مثقوبة، لا قائد لها، إذ “نحتفل” اليوم بدخول العام الثالث بلا رئيسٍ لهذه الجمهوريّة التعيسة.
ليس ما سبق في إطار مديح شخصيّةٍ قد يحمّلها بعض اللبنانيّين مسؤوليّةً في ما بلغناه من انهيار. هو تأكيدٌ مرحليّ، واعتراف، بأنّ هذه المرحلة تحتاج الى نبيه بري. هو الوحيد القادر على الحدّ من المغامرات، والوحيد القادر على إعادة الصواب الى بعض العقول، والأكثر حرصاً على إعادة إعمار ما تهدّم، لا حجراً فقط بل نفوساً.
على أمل أن يشمل التفويض الممنوح الى “الأخ الأكبر” التفاوض على عودة الجميع الى حضن الوطن، ثمّ الى حضن العرب. وندرك، جميعاً، بأنّ ما من طائفةٍ أقوى من الوطن، وقد عاشت الطوائف كلّها فائض قوّةٍ وفائض ضعفٍ، فدفع الوطن أثماناً، وما يزال.
لولا نبيه بري، لكانت هذه الآمال مجرّد أوهام. لولاه، لكانت هذه المحنة أصعب بكثير، على الشيعة وعلى لبنان.