كتب نقولا أبو فيصل “بين التعود في الحياة والروتين اللبناني القاتل”!

من سلسلة كتب “عن لبنان لماذا أكتب “جزء 5

من المعروف أن الحياة بسيطة جداً ، لكننا نعاند أنفسنا احياناً بلا سبب مقنع ونعيش حياتنا على التعود وخوف الخسارة، والظن بأن البديل غير موجود، نستصعب فهم أن الاناني مهما اخذ فلن يعطي، وأن من خذلك مرة سيخذلك الف مرة، نحاول إيجاد العلاج في بيئة المرض ونمشي بالأمور على عكاز فلا نصل لوجهتنا ابداً ، وهكذا نستمر بظلم أنفسنا ، ولو اعتمدنا على بعض من هذه القواعد كنا تفادينا الكثير من الضرر ، لذلك اقول لأحبائي واصدقائي إياكم والتعود! التعود على الألم والاهمال والخسارة ، التعود على التنازلات والتضحيات والدموع، فالتعود سجن حقيقي إذا لم يكن مدركاً ومسيطراً عليه. فلا تخدروا أحاسيسكم ولا تسجنوا أرواحكم بالتعود لانكم سوف تفقدون بهجة الحياة ونكهتها ، وبعدها سوف تفقدون أنفسكم وحقوقكم وتلغى أدواركم وتختفي شخصياتكم .

لذا عيشوا حياتكم فالاعمار قصيرة ، عيشوا ولا تتعودوا على ما يسلب منكم فرحتكم. وحاولوا تغيير شيء بسيط خلال ايام حياتكم فقد يحدث ذلك فارقًا عظيمًا في أفكاركم، ويفتح لكم آفاقًا جديدة، ونوافذ على أمورٍ مختلفة، ويطلعكم على المزيد من المعرفة والتوسّع، كأن تطّلعون على كتب جديدة تُرتّب جدول العيش بطريقةٍ مُختلفة , فالتّعود يجعل الأيام مُملة ويُفقدها طعمها ومعناها الخاص وبمُجرد أن يبدأ الإنسان في التنازل عن حقه ولو كان بسيطاً، سوف يقع حينها في سلسلةٍ لا نهاية لها من التنازلات، وفي خضم كُل هذا سينسىٰ نفسه، وما هي هويته وماذا يُحب ومن يكون ؟ لذا تذكّروا اصدقائي أن حياتكم هي دائمًا أولوية، ووقتكم الخاص حق من حقوقكم وليس رفاهية! وكلّ الذي يصيبكم هو بقدر الله، وكل الذي تطلبونه هو من نعم الله، وكل الذي تخافون منه هو بيد الله، وكل الذي فاتكم ذهب بأمر الله، وكل الذي سيأتي هو نعمة من عند الله.

وربما يحتاج المرء إلى التعود على مساوئ الحياة حتى يكون في قمة ثباته من تلك الخيبات الصادمة التي ستواجهه في وقت غير متوقع من أشخاص غير متوقعين. وثمة حقيقة لا يمكن تجنبها من حقائق الحياة وهي كلما تقدمنا في السن صغُرت الدائرة الاجتماعية سواء عن مبالغة في التعود على حياة الوحدة أو نقصاً في الهمة ، لذلك نجد أنفسنا فجأة في صحبة عدد قليل من الوجوه ، ونصل الى التعود على الإمتنان الذي يعني أن نركز على ما بين ايدينا ونجتهد فيه، حتى يثمر فينا عطاؤه ، والإمتنان هو ما يعلمنا ان نركز في ذواتنا ، وأن نقنع في الحياة بما أعطانا اياه الله ، وكلما زاد تركيزنا زاد الرضا في داخلنا، وأن نتعود على شكر الله ، ولهذا الإمتنان أثر عظيم في “طرح البركة” والكثرة في الخيرات ، وهكذا نجد ان الحياة تجعلنا نعتاد على الأشياء الجميلة المُبهره التي حَصُلنا عليها من ممتلكات واموال وغيرها ‏حتى الأشخاص الرائعين في حياتنا نعتادهم ..فيبدأ التعوُّد ينهش في شغفنا يوماً بعد يوم، الى أن يبتلعه بالتمام مع الوقت لأن فقدان الشغف هو سنة الحياة !
نقولا ابو فيصل