فكر فيها! من غاب عمداً فنسيانه واجب! بقلم نقولا أبو فيصل

يقول جبران خليل جبران “من غاب عمداً فنسيانه واجب” وبذلك فإنه يعبر عن فلسفته العميقة في العلاقات الإنسانية التي تقوم على الكرامة والوعي العاطفي . ففي العلاقات التي يختار أحد أطرافها الابتعاد عنها بقرار متعمد لا تستحق التمسك بها ، بل يجب تحرير النفس من ثقلها بالنسيان . وفي هذا السياق يجب أحترام الذات وحمايتها من الاستنزاف العاطفي ، فالغياب المتعمد ليس مجرد فعل عرضي، بل انه فعل يحمل دلالة واضحة على انتهاء الالتزام أو الرغبة في التواصل .

وعليه، فإن التمسك بمن قرر الابتعاد هو عبء لا يستحق أن يحمله الإنسان خاصة عندما تكون العلاقة قد فقدت أساسها المتين من الثقة المتبادلة. الى ذلك فإن القسوة أو الانتقام لا مكان لهما عند انتهاء العلاقات بين الناس بل يجب التعقل واللجوء الى الحكمة في التعامل مع الآخرين والبدء بالنسيان ليس تعبيراً عن الجفاء بل خطوة نحو السلام الداخلي ، فالتمسك بشخص قرر المغادرة بإرادته قد يثقل مشاعر الانسان ويعيق تقدمه ويجعله أسيرًا لعلاقة انتهت فعلياً ، حتى وإن لم يتم الإعلان عن ذلك بشكل مباشر .

ورغم أنه عند انتهاء العلاقات يبقى الحنين الى الذكريات الجميلة التي تركت أثراً عميقاً في النفس ، ولكن ذلك يجب أن لا يتعارض مع النسيان الذي يدعو إليه جبران . فالنسيان هنا يعني التحرر من التعلق ، بينما الحنين يبقى كذكرى لطيفة تسكن الروح من دون أن تثقلها ليصبح جزءاً من التجارب التي تجعلنا أكثر نضجاً . ومن المهم أن نحتفظ بالحنين كمصدر إلهام ليس عائقاً أمام السلام الداخلي الذي ننشده في التصالح مع الماضي وقبول ما حدث من دون إنكار أو مقاومة والتعامل مع التجارب الصعبة كدروس .
نقولا أبو فيصل كاتب ورئيس تجمع الصناعيين في البقاع وعضو اتّحاد الكتّاب اللبنانيّين