الفاتيكان: لن يدفع لبنان ثمن تسويات المنطقة
اجتمع رؤساء الكنائس المسيحية مع البابا فرنسيس، الذي دعا في عظته الأخيرة الجميع إلى الصلاة من أجل لبنان، ومن أجل هذا اليوم الذي سيصلي فيه الفاتيكان من أجل نعمة السلام والاستقرار في البلاد.
لقاء الحبر الأعظم كان لبحث الوضع المثير للقلق في لبنان، الذي يشهد أسوأ أزمة يمر بها منذ الحرب الأهلية التي انتهت عام 1990.
والاجتماع بين الحبر الاعظم ورؤساء الطوائف المسيحية كان مقفلاً. انقسم بين الصلاة والتأمل على نية إنقاذ لبنان من أزمته السياسية والإنسانية وبين النقاش حول كيفية مساعدة لبنان على النهوض. فمن المعلوم أن للفاتيكان دبلوماسية عملت طوال السنوات الماضية على ضمان التنوع اللبناني. وانطلاقاً من الإرشاد الرسولي والسينودس من أجل لبنان يعمل الفاتيكان دائماً على المحافظة على الصيغة اللبنانية، التي يعتبرها أساس الكيان الذي أطلق عليه البابا يوحنا بولس الثاني “الرسالة”.
عناوين متفق عليها
في لقاء رؤساء الكنائس بالحبر الأعظم، قدم الوفد الكنسي مجموعة عناوين إلى البابا فرنسيس. كانوا قد اتفقوا عليها قبل مغادرتهم لبنان. فمن المعلوم أن بكركي نظمت أعمال السينودس، كذلك فعل بطريركية الروم الملكيين الكاثوليك. واتفقت البطريركيتان على ورقة موحدة. ثم جرى النقاش فيها مع بطريرك الروم الأرثوذكس يوحنا العاشر اليازجي. لم يكن الاتفاق سهلاً، لما لليازجي من أهواء سياسية مختلفة. بعد نقاش معمق، اتفقوا على مجموعة من العناوين، أهمها: تحييد لبنان عن صراعات المنطقة. الطلب إلى الامم المتحدة تنفيذ مقرراتها الخاصة بلبنان. مساعدة لبنان مالياً وعينياً. مساعدة المؤسسات التربوية كالمدارس الكاثوليكية والجامعات التابعة للرهبانيات. كلها مطالب حملها الوفد إلى الفاتيكان على أن تصل مساعدات إلى العائلات المسيحية اللبنانية تحديداً سيما وسط الأزمة الخانقة.
ديبلوماسية الفاتيكان
دوائر الفاتيكان أكدت أن زيارة رؤساء الكنائس “لا تهدف إلى إيجاد حلّ سياسي” للأزمة إنّما “الرد على شكاوى الشعب ومعاناته”. ولكن رغم ذلك، فلهذه الدعوة أثر على المسيحيين انطلاقاً من قناعات الفاتيكان ورؤيته للبنان.
وليست مصادفة أن يدعو البابا فرنسيس إلى هذا اللقاء من أجل لبنان. فهو أعرب أمام زواره انه سيقف إلى جانب البلد الذي طالما رعاه منذ الحرب اللبنانية، وما قبلها وما بعدها. والقناعة لدى الفاتيكان راسخة بأن سلامة مسيحيي المشرق من سلامة مسيحيي لبنان. وسلامة مسيحيي لبنان لا يمكن أن تكون بمعزل عن سلامة الصيغة الإسلامية المسيحية التي طالما رعتها وحافظت عليها الدبلوماسية الفاتيكانية.
صدق يوماً من قال إن الفاتيكان ليس لديه جنود يحاربون، ولكنه لم يصدق بالإيحاء بأن ذلك يضعف تأثيره على السياسة العامة. سيقول الفاتيكان كلمته بعد لقائه ممثلي المسيحيين في لبنان. فهو حاضر في عواصم العالم بقوة دبلوماسيته وتأثيرها. ولبنان المقبل على تسويات المنطقة لن يدفع الثمن بصيغته. هكذا هي إرادة الفاتيكان التي سيعبر عنها البابا فرنسيس في المقبل من الأيام.
توبيخ السياسيين
وكرر النائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم في تصريحاته الأخيرة أن الحبر الأعظم “يكثف عمله الدبلوماسي لدى رؤساء الكنائس والدول الكبرى لإيجاد حلول تؤدي إلى تشكيل حكومة قادرة على اتخاذ قرارات توقف البلد على قدميه، وتعيد إنماء الاقتصاد، وتخفف من وطأة الكارثة على الناس ومن أسباب الهجرة”، خصوصا المسيحيين منهم، باعتبارها “عنصراً أساسياً في المحنة التي نعيشها”.
وكما قال المونسنيور باسكال غولنيش، المدير العام لمؤسسة “عمل الشرق” التي تُعنى بتقديم مساعدات إلى المسيحيين في منطقة الشرق الأدنى، فإن الاجتماع حتماً “مناسبة لتوجيه رسالة إلى المجتمع الدولي”. هكذا ترى دوائر الفاتيكان التي ستعمل عبر السفير البابوي في لبنان على مساعدة اللبنانيين بكل ما يحتاجون إليه.
في ختام هذا اليوم قال البابا فرنسيس الكلمة الفصل وإلى جانبه البطاركة. طلب من أهل السياسة التخلي عن مصالحهم الخاصة لأجل الصالح العام. كان كلام البابا فرنسيس بمثابة توبيخ للسياسيين في لبنان. دوائر بكركي رأت في كلام الفاتيكان ملاقاة لها ولمطالبها. انتقل لبنان ليكون على أجندة الفاتيكان العلنية مع عواصم العالم. عسى أن يكون ذلك بداية استدارة المجتمع الدولي نحو لبنان.
وسيعود الوفد في الساعات المقبلة متمماً المهمة.
