بين الهجرة الصامتة وتغيير الديموغرافيا واستعراض القوة الضاربة في زحلة!
كتب نقولا أبو فيصل*
يؤدي النفور من الطغمة الحاكمة في لبنان ومن تردي الخدمات الحياتية للمواطنين وانهيار المشاريع الاقتصادية وتدني قيمة النقد الوطني امام الدولار السياسي المجنون إلى الهجرة الصامتة لابناء الوطن بما يشبه المعارضة الصامتة. والهجرة ليست ان تنتقل من بلد الى اخر بالجسد وحسب ، بل ان تهجر وطنا يحتضن أحلامك وتفكيرك واهلك وذكريات طفولتك والا تفكر بعقلانية صادقة ، ما قد ينعكس عليك سلبًا او إيجابًا. والهجرة الصامتة هي أيضًا الخروج بهدوء وبدون ازعاج بعيدًا عن استعراض الصور على وسائل التواصل الاجتماعي والمفاخرة بالنجاة من التايتانيك اللبنانية كما تستفزني تسميتها.
إن الخطر الحقيقي الذي يتهدد الكيان اللبناني هو الهجرة الصامتة لسكانه من كل الطوائف، خاصة هجرة المسيحيين لأرضهم ، فالمسيحيون في الشرق الأوسط عامة ولبنان خاصة يضمحلّون بسبب الهجرة هذه الايام، إضافة الى تناقص الولادات لديهم وندرة حالات الزواج وقساوة بعض رجال الكنيسة بعدم اعطاء الشباب الاهتمام اللازم، كتشجيع الاعراس الجماعية ووضع املاك الاديار بتصرفهم، للعمل فيها بالمناصفة مع الكنيسة، رغم الجهود الجبارة في هذا المضمار لمدير عام وزارة الزراعة مشكورًا .
وفي المقلب الآخر يبدو أن توطين الفلسطينيين وإستيعاب اللاجئين السوريين أضحيا واقعا قد يغير وجه لبنان الديموغرافي وسوف يستفيق بعض اللبنانيين على الوجع ويتأكدون أنهم أكلوا لحمهم في تبنيهم سياسات تقضي على صيغة لبنان، رغم ان عدد الفلسطينيين بات اقل من 150 آلفًا في كل مخيمات لبنان بعدما كان أكثر من 500 ألف ،طبعا الرقم مرشح للتناقص بسبب الهجرة الصامتة أيضًا الى اوطان جديدة في أوروبا، بدل وطنهم الأم الذي تبعد المسافة بينهم وبينه أكثر وأكثر للأسف مع الأيام.
وها هي بيروت قلب لبنان الابيض العامر بالحب تغرق بالعتمة ويتذوق اهلها الذل، ومعها تغرق كل بقعة لبنانية بالفقر الذي لا يرحم ويغرق لبنان من قهر الأمة العربية الصامتة التي لا تمد له يد العون لألف سبب وسبب.
إنه لبنان ايها الاخوة العرب، البلد الذي مهما قست عليه الظروف يبقى موطنا للكرم والاخاء..لبنان الجميل الذي سينهض كما عهدناه وقلوبنا معه وابناؤه لا بدّ عائدون اليه ، مهما طال الزمن. ولا ألوم الشباب الذين يسافرون لتأمين مستقبلهم، بل اتحدث عن تلك الهجرة الصامتة القاتلة عن الوطن ، حتى ان اعداد قوافل العائلات المهاجرة من لبنان والتي تخطت 400 الف مهاجر جعلتني اشك في نفسي وأفكر لوقت طويل واسأل: هل ما يفعلونه صحيح وخاصة عندما ينظر بعضهم إلي وانا اتحدث عن الوطن نظرة الشخص المغفّل الغامض المفرط بالتفاؤل الذي لا يزال يتحدث عن قيامة لبنان الحتمية.
نعم الهجرة ليست حلًا، وعلى حكام لبنان أن يرحلوا لا الشعب. نحن باقون والبلاد لاهلها، والاغلبية الصامتة لن تبقى صامتة، والمقاومة الصامتة ما كانت يومًا بالسكوت عن الفساد والطاعة العمياء للحكّام، وترك الوطن والهجرة، بل بالمطالبة بمحاسبة الفاسدين ونصرة المظلومين ، ولا جدوى من المقاومة الصامتة التي لا تقول (لا) في وجه العصابة الحاكمة التي تعامل الناس “شتي وصيف” على سطح واحد، وما جرى في زحلة في الايام الاخيرة ينذر بفقدان الثقة بين الدولة والمواطن، خاصة حين تضرب القوة الضاربة في بساتين زحلة بدل الضرب على الحدود اللبنانية السورية ومنع التهريب الذي يجري في وضح النهار على عينك يا دولة.…إن الغد لناظره أقرب من قريب!
*كاتب ورئيس مجموعة غردينيا غران دور الاقتصادية رئيس تجمع صناعيي البقاع
