واشنطن وباريس: حكومة لبنانية إصلاحية تطوّق حزب الله
لم يعد في مستطاع الرئيس سعد الحريري تكرار أي خطأ ارتكبه سابقاً.
يدلّ على ذلك موقفه الذي أطلقه بعد حكم المحكمة الدولية في اغتيال والده.
الحريري وحزب الله
أعلن الحريري الابن أنه غير مستعد
لتقديم المزيد من التنازلات أو التضحيات. طالب حزب الله بالتضحية والتنازل
المطلوبين. وهذا موقف متقدّم مقارنة بمواقفه السابقة، وخصوصاً بعد تسويته
الرئاسية مع الثنائي عون – باسيل.
قد يخرج من ينتقد مطالبة الحزب بتقديم التضحية، معتبراً أن تفسير تيار المستقبل للحكم هو أدانة سياسية لحزب الله، وإن لم يدنه قضائياً. لكن الخطّ الذي رسمه الحريري يُفترض أن يختلف عن مسار طبعَه طويلاً بنزعته إلى التهدئة والتنازلات.
ولا بد من الاستناد إلى هذا الموقف، لترجمته سياسياً، وإذا ما
كان سينسحب على عملية تشكيل الحكومة. فالحريري أغلق الحديث في الملف
الحكومي، ولا يريد لحكم المحكمة أن يكون موضع جدال أو مقايضة للفوز برئاسة
الحكومة. وقد ألزم الحريري حزب الله بالرد، أو التصرف مع المحكمة بشكل أو
بآخر، وخصوصاً إذا ما أراد العودة بقواعد اللعبة إلى ما قبل 17 تشرين، أي
تشكيل حكومة وحدة وطنية. لذا لا بد للحزب من تقديم تنازل ما، وفق موقف رئيس
تيار المستقبل.
الحريري وعون – باسيل
في المقابل، تشير
القراءة الأوسع للمشهد السياسي اللبناني، والتركيبة الحكومية المقبلة، إلى
أن المسألة لم تعد محصورة بين الأفرقاء اللبنانيين. والحكومة لن يمنحها
فريق إلى الآخر. فحزب الله لم يعد الطرف المقرر وحيداً في عملية التشكيل،
لكنه يمتلك حق النقض فقط، ويفضّل عملياً عودة الحريري إلى السرايا. والرئيس
نبيه برّي أكثر المتحمسين لذلك. وهو من عمل على خطّ إعادة الحريري. وبدأه
من القصر الجمهوري بطرح وجهة نظره على رئيس الجمهورية.
وحسب المعطيات المتوفرة، عون غير متحمس لعودة الحريري، ولكنه
غير قادر على تعطيل هكذا مسار، على الرغم من المشاكل الكبيرة بين الطرفين،
والخلاف الأكبر بين الحريري وباسيل، الذي سيُستثنى من أي تركيبة حكومية.
حلفاء الحريري
وجه
من هذا المخاض يخيف حلفاء الحريري التقليديين، الذين يعتبرون أن أي حكومة
سيترأسها في عهد ميشال عون، سيكون ثمنها السياسي كبيراً، حتى ولو رضي عون
بترؤس الحريري لها في غياب باسيل عنها.
وقد يكون ثمن هذه الحكومة إعادة العمل على إرساء تفاهم سياسي مشابه للتفاهم الحاصل بعد انتخاب عون. لكن هذا يبدو شبه مستحيل وفق المعطيات المتوفرة. فالخلاف كبير بين الرجلين. ومن كواه الحليب، لا يمكن أن يزهو بلبن غياب جبران باسيل عن الحكومة، والسياسة ليس فيها مستحيل.
لذا يفضل حلفاء الحريري عدم ترؤسه الحكومة في هذا الظرف،
والعمل على تشكيل حكومة مستقلة نسبياً، وليست حيادية بالمفهوم الجامد أو
الذي يكرس انقساماً.
العوامل الدولية
لكن لا يمكن الرهان
على العامل الداخلي فقط في تشكيل الحكومة. فالتوافق الدولي غير متوفر على
الإطلاق. المعلومات متضاربة: باريس تتابع عن كثب ولا تتوقف على التواصل
وإرسال الطروحات. وهي بداية كانت مع حكومة الوحدة الوطنية، ثم قيل إنها
تراجعت عنها، وسمّت نواف سلام. أما واشنطن فلم تتحدث في التفاصيل والأسماء،
مركزة على الملفات المفترض أن تعمل الحكومة على حلّها، من ترسيم الحدود
إلى الصواريخ والإصلاحات المالية والاقتصادية.
هذا يعني أن لعبة تشكيل الحكومة لا تزال خاضعة لشد الحبال الإقليمي والدولي. لا شيء سيطرأ عليها ما لم تحصل متغيرات تدفع بتحريك المياه الراكدة، وإعادة إطلاق عجلة التفاعل السياسي لإنتاج حلّ معين.
وهناك من يعتبر أن الستاتيكو الحالي سيبقى قائماً من الآن إلى
موعد الانتخابات الأميركية، إلا إذا وقع حدث كبير أو مؤثر، فيفرض متغيرات
جديدة، وينتج حلّاً أولياً أو نهائياً.
تصريحات هيل
وقد
برز أمس تصريح لوكيل وزارة الخارجية الأميركية، ديفيد هيل، يقول فيه بوضوح
أن بلاده لن تقدم أي مساعدات للبنان من دون تحقيق الاصلاحات، وتشكيل حكومة
تنجزها. لافتاً إلى أن أميركا تعاطت سابقاً مع حكومات يتمثل فيها حزب
الله، وجاهزة لتقديم مساعدات لحكومة بمشاركة الحزب أو من دونها.
موقف
هيل يحتاج إلى تفسير. البعض اعتبره مؤشراً إيجابياً حول المفاوضات
الأميركية الإيرانية، والتي تحافظ على وضع الحزب لبنانياً، بينما وجهة نظر
أخرى تعارض هذا الاستنتاج، وتعتبر أن ديفيد هيل ليس من الصقور. وقد يأتي من
يصعد الموقف أكثر. وثانياً، تشير المعطيات إلى أن الأميركيين يتعاطون مع
لبنان بسياسة عدم منحه أي مجال للمناورة والهروب من إنجاز الإصلاحات
بالتذرع بحزب الله وسلاحه، وتضع الجميع أمام مسؤولياتهم بالإصلاح، والذي
ستكون مندرجاته عامل تطويق وتقويض تلقائي للحزب. وبعدها يتم العمل على
مشكلة الحزب المباشرة وانتشاره وسلاحه.
واشنطن لم تعد تحصر المشكلة بحزب الله فقط، بل تنظر إلى كل القوى اللبنانية بعين الفساد، وهذا يظهر في تصريح هيل ومسؤولين آخرين، ويتكامل مع لجوئها إلى تطبيق قانون ماغنيتسكي لمكافحة الفساد، والذي سيطال مسؤولين من مختلف التوجهات، وليس الحزب وحلفاؤه فقط.
ذلك قد يؤسس لتغيير في الوجوه، أو دعم وجوه جديدة بالتشارك مع القوى التقليدية، وتحقيق الإصلاح والتغيير. وهذه النظرة ربما دفع باتجاهها الرئيس الفرنسي في اتصالاته مع ترامب، لاقناعه بعدم ترك لبنان ينهار نهائياً عبر خنق اللبنانيين، وترك المجال أمام التغيير المرحلي بفعل التراكم.
المدن