حدد الصفحة

محمد علي شمس الدين..بين أرض الشِّعر وأبراجه

محمد علي شمس الدين..بين أرض الشِّعر وأبراجه

كثر علقوا على رحيل الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين في الفايسبوك، هنا مختارات من التعليقات.

جوزيف عيساوي: ما كان يروقني أو يجذبني شِعره الأوّلدعوتُ محمد علي شمس الدين الى جميع برامجي التلفزيونيّة، ضيفاً انيقاً، ثقيفاً، يرفد الأثير بهدوئه الدمث، وعينيه الزرقاوين كسماء صيف. وذات مرّة شارك عبد الوهّاب البياتي امسيةً في بيروت، اواسط التسعينيّات، فسألته عنوان الشاعر لدعوته الى حلقة “بدون كرافات”. في اليوم التالي وصلا الاستديو في سيّارة قادها محمد، لتكون الندوة التي جمعتهما من امتع الحلقات.

لم نتّفق يوماً على موقفه من القصيدة المكتوبة نثرياً. هو رآها تغريباً للقصيدة وإفقاراً للشعر من موسيقاه المتحقّقة بالوزن. وأنا اجادل باعتبارها إعلاء لفرديّة الشاعر وجموح خياله في وجه ايديولوجيا الجماعة و”التراث الكريم” متمثّلين في نظام التفعيلة. لكن شمس الدين انحاز الى “التراث العربيّ والإسلاميّ” في شعره، مستلّاً شخصيّات ورموزاً منهما ليس آخرها حافظ الشيرازيّ الذي تماهى وإيّاه ضمن مجموعة “شيرازيات”، والتي وقّعها شمس الدين مع العرفانيّ الفارسيّ ضمن ما اسماه بـ”التناص”.

آخر محاججة لي معه عندما كان ضيف الحبيبة فاتن حموي في “صوت الشعب” قبل عامين. أرسلت اليه سؤالاً مفخّخاً: “اما زلت تهاجم قصيدة النثر جملةً وتمتدح شعراءها بالمفرّق؟” (وهي الملاحظة التي طالما ردّ بها بول شاوول على موقف شمس الدين من مجلّتي “شعر” و”مواقف”) فاستثاره السؤال. خابرته بعد اللقاء وقلت “انا المستمع الذي دسّ السؤال الملعون في الحوار” فضحكنا.

ما كان يروقني او يجذبني شعره الأوّل ابتداء من “قصائد مهرَّبة الى حبيبتي آسيا” بغنائيّته المسرفة، او لاحقاً بمعدنيّته وجفاف نسغه. ثمّ في سهرة باذخة اوّل التسعينات في دارة السيّدة هدى النعماني، الشاعرة المتصوّفة ايضاً (فالتصوّف لا يعني الفقر او البؤس او النسك والتشرّد) قدّم لي ديوانه “اميرال الطيور” بإهداء اخاله لم يقصده، اقلّه في الرتبة، “جوزيف عيساوي ايها الأميرال”، الى اليوم لا أعرف ااتى اعجابي بالكتاب (حتى اني تناولته بمقالة في مجلة “الشمس” التي اصدرها عبد الهادي محفوظ) مِن كرَم الإهداء وروح السهرة ونشوات المائدة، او من الشعر نفسه. ولطالما بحثتُ في فوضى مكتبتي عن هذا الديوان لأمنح نفسي الجواب الشافي، كما فعلتُ هذا الصباح المزغول بنبأ رحيله، فلم اعثر عليه. لكن مجموعاته العديدة التالية حملت بأسئلتها الوجودية خارج اطار “الشعر الملتزم”، وصورها المكلومة بجراح الكائن، والمضمِّدة لها ايضاً، و”ذكائها” الموسيقيّ المحسوب، شعراً لا يمكن ان تفلت من شجنه، وتَفَكّره بالماوراء، بل وخنجره المسموم ضد الزمن، ضدّ الموت، وأحياناً معه: حيلةً علّها تؤخّره قليلاً، او علّه يرأف حين يغدر.

أعود الآن الى مجموعته “النازلون على الريح” (2013)، فأطوف على نهر كلماتها، مجلوَّة بالعشق، بالطبيعة ماءً وتراباً، بحراً وسهلاً، وادياً وجبلاً، وأوّلاً وآخراً بالشهوةِ الى الحياة او الموت بلا كثير فَرق. شعرٌ يجمع الى وحدة الوجود عشقَ المرأة والكون/الإله حيث يتجلّى المطلق، انبثاقاً من المادة نفسها، او حلولاً فيها من فوق. اما الشعر نفسه فلعلّه “الخمرة الإلهيّة”، بتعبير اهل التصوّف والعرفان، يذوقها الشاعر بينما يبتدعها في صبوات اليمة ووحدةٍ لا يختبرها الا الشعراء والنسّاك، كما المجانين والعشّاق، فتتطهّر الذات وترتقي، او هي تفنى في “المحبوب” بلا امل بالعودة، ربما، الا عشبةً نحيلة، ريشة في طير، او شربة عطشان في هجير.

كان محمد عليّ ممن عُرفوا بـ”شعراء الجنوب” في السبعينيّات، وكان جلّهم في احزاب اليسار ومنظّماته. لكن بعد معركة جرود عرسال كتب قصيدة في “المقاومة الإسلاميّة” قرأها عبر محطّة “المنار”. وقبل عامين، بعد تطبيع الإمارات علاقاتها مع اسرائيل، سحبَ احتجاجاً ترشيح كتابه “آخر ما تركته البراري” المقدَّم من “دار النهضة” وبموافقته الى “جائزة الشيخ زايد”، وهو المحصِّل “جائزة سلطان العويس”. رغم محاشاة شمس الدين تناول ايّ من كتبي السبع في عديد الصحف والمجلّات اللبنانيّة والخليجيّة التي رفدها عقوداً بقلمه العارف، الحسّاس، هو ضيفي الدائم في التلفزيون، فوجئت قبل اعوام بمقالة له في “الحياة” عن مجموعتي “ميت سكران…”. كتبَ: “هذا شعر غير شعريّ. شعر غير ادبيّ. جديد وجميل. مستفزّ ووقح. كلّ جديد وقح. اعني انه حقيقيّ ويأتي من خارج سياق الأدب”.

وداعاً اذاً ايها الشاعر وإلى اللقاء في صحن الأرض يوماً. قبل هذا سنلتقي مع كل بزوغ وشفق، وفي كل خمرة تذاق، علويّة اكانت، في قصيدة، او على شفة عاشقين يغزلان الكوكب بالحُبّ، بالحُبّ لا بالحرب، كما الله قد يفعل.

أحمد بزون: الشاعر النجم لا يغلبه الموتلا أصدق أن صوتك سقط من ممالكه العالية إلى “غابة السكون”! وأنك لم تعد تغرد في براري الشعر لتدفع خيول الأحلام أمامك! أو تصدح “أميرالَ طيور” كي ترطب آذان العذارى! أو تُموِّج نسائم الشعر نحو جمهورك فتنتشر المتعة طيباً لا يحيد عن أحد! لا أصدق أن روحك خطفتها ريح، أو حلّقتْ “غيمةً من دخان” ترنو نحو الله! كدت لا أصدق هذا الرحيل المباغت، موجة الحزن التي صفعتني صبيحة هذا النهار، لولا أنك قلت يوماً: “طالما شطّت بنا سبل/ غير أن الموت ينتظرُ”. 

آه يا صديقي كم كنت نظيفاً وجميلاً مثل زهرة اللوتس، ومضيئاً مثل قنديل العاشقين، تزين الأرض حين تخطها عيناك الزرقاوان. كم عقلاً آنست إذ كتبت وحكيت، أنت الشاعر العابق بالأفكار، الرؤيويّ الذي لم يخب مقصده، النخبوي الذي رفد نهر الثقافة بماء كثير. كدت لا أصدق أن نجم محمد علي شمس الدين يتوارى في السماء، لكنه القائل: “فأول الدهر معقود بآخره/ وأجمل الناس ما يُلقى إلى الحفر/ وما الخليقة إلا طيف نائحة/ بيضاء تعبر بين الطين والمدر”.

بل كنت أصدق أنه عاش نجماً ويبقى! ألا ينطبق عليه لقب “الشاعر النجم” بين مجايليه من شعراء لبنان، بكل ما تعني الكلمة من ظهور كثيف له في وسائل الإعلام، واندفاع المحطات التلفزيونية والصحف لكسب حضوره، ثم كأنما ولد شعره مع نجوميته في سبعينيات القرن الماضي. فالنجومية، مرة، يصنعها الآخرون الذين يستفيدون من تسويق النجم، ومرة أخرى يصنعها النجم نفسه بما يقدم من جهد ونتاج وإبداع. ولا نشك في أن نجومية محمد علي شمس الدين تخضع للصنف الثاني، فهي من صُنْع يده ولسانه وشعره.

وما يهمنا، أولاً وأخيراً، شعر الشاعر وثقافته. وكنا نسأل دائماً عن منبع نجوميته، لأن الشعر لا يكفي ليقيم عرش النجم، فالعديد من الشعراء الكبار ليسوا نجوماً. ونسأل: هل هي السهولة نفسها التي كان يكتب بها نزار قباني صنعته شاعراً؟ ام هي الصعوبة التي ينحت في صخرها سعيد عقل؟ أم الغموض والالتباس الجميل الذي يرميه أدونيس على شعره؟

لا أظن أن محمد علي شمس الدين ينتمي الى مدرسة محددة من مدارس كبارنا، فشعره يبتعد عن كل هذه المواقع، وإن كانت لعبته الشعرية تجمع سمات مختزنة في تجارب الكبار، بل في تراثنا الشعري عموماً. فنص شمس الدين يمتلك البساطة، في الوقت الذي تأخذنا إليه التباسات الغموض الجميلة والرؤى البعيدة. ويقنعنا بالعفوية والبراءة، في الوقت الذي تقف وراء نصوصه حرفة وصنعة ومتانة تركيب ولغة. لهذا، ربما استطاع شمس الدين أن يصل بنصوصه إلى جمهور عريض، من دون أن يقع في الخطابية والواقعية المباشرة، أو في التسطيح، من جهة، ومن دون أن يطمح، من جهة أخرى، إلى الغربة النخبوية المعلقة على مشاذب المستقبل.

لقد استطاع شمس الدين، بحنكة واضحة، أن يلعب في منطقة بين أرض الشعر وأبراجه، فهو إذا اقترب من الواقع أو الحداثة التي تلامس كل شيء، حافظ على مسافة من ملامسته المباشرة، وإذا حلّق في فضاءات عالية تنبه الى العودة من دون مكوث. فشعره طائر يحلق في دنيا المعاني من دون أن يقع على الأرض!

هكذا، فالمسافة العمودية التي تَحرَّك شعرُه على سلالمها بلباقة وذكاء، هي التي أكسبته نجومية يسعى إليها الجميع، وليست سهلة على أحد. يكتب بشفافية الماء العذب لا الزجاج الجارح.واكبنا تجربته الشعرية في “السفير”، وكان يزورنا دائماً، حاملاً مقالة أو من دونها. وعندما دعوته، قبل ذلك، إلى الكتابة في ملحق السفير الثقافي خشي أن يعترض على مشاركته زميلنا وصديقنا عباس بيضون، لكن ذلك لم يحصل، وتبددت غيوم الخصومة بينهما منذ اللقاء الأول الذي حضرته منتصراً لصداقة الشعراء، واستمر يكتب مرحباً به من قبل عباس بيضون أولاً، وكنا سعداء بما يقدم من كتابات نقدية، في عمق التجارب الأدبية اللبنانية والعربية، حتى انطوى الملحق الثقافي مأسوفاً عليه. كان نقده موضوعياً، كونه لم يتعصب لاتجاه أو مدرسة أو شكل، فهو في الشعر يتنقل حيث تأخذه نشوة الكتابة، مرة يعود إلى عمود الشعر، وأخرى إلى حيث استقر كثيراً مع شعر التفعيلة، ثم لم يتردد أبداً إذا هبت عليه نسائم قصيدة النثر في احتضانها. لن ترحل صديقي، سوف تبقى خلف أجفاننا، إلى أن تغلق الأرض بابها، أو تتهاوى “كفخارة من دخان”. ولم تغب، إنما تمضي إلى الصمت، وتمشي على خيطه بخفة بهلوان، ولا تهوي على فضة الموت. سوف تبقى، وننتظر أن يسبقك إلينا الشعر!

محمد مظلوم: أحد كبار شعراء العربية المبدعينوضمير ثقافي أصيل.عرفته شاعراً وإنساناً.عرفته معرفة الشعر، مبكراً، أواخر السبعينات، من خلال دواوينه التي نشرتها دار الآداب “قصائد مهرّبة إلى حبيبتي آسيا” و”أناديك يا ملكي وحبيبي” ثم قصائده في الآداب المجلة. وفي مهرجان المربد عام 1987 عرفته معرفة الإنسان مع مجموعة ما كان يعرف بشعراء الجنوب في لبنان. وفي أمسيته قرأ قصيدة بعنوان “وجوه في مرآة مكسورة” وكانت بينها قصيدة عن الحجاج بوصفه وجهاً للعنف:(توضأت بالدم، لم يقبل الماء وجهي وكانت على الغرب خمس من السارياتتوضأت: هذا اغترابيوقلت: ارتحل، قبل أن ترشق الطير سجيلها)

ورحت وأنا أستمع للقصيدة أنظر إلى وجه صدام في صورته العملاقة في القاعة، ولم يكن لأحد أن ينكر الصلة بين وجهي طاغية العصور الوسطى وطاغية القرن العشرين. مذ ذاك عرفت فيه صفات الشاعر الأصيل في الانحياز للعدالة والجمال والاحتجاج على الطغيان والقبح. وهكذا انعقدت صلة الروح والسلالة النادرة. فتكررت لقاءتنا في دمشق وبيروت واللاذقية والرقة.

كتب مقالات عديدة عن شعري وكتبي على هذه الأرض. وها أنا اكتب عنه وإليه في عليائه.في شعره أناقة في الصورة ورقة في المفردة وفخامة في التركيب حتى وهو يخوض في رموز التاريخ ووقائعه المفجعة محاولاً تقديم قراءة جديدة ومختلفة مستفيداً من اختصاصه الأكاديمي في هذا المجال.في سنواته الأخيرة اتجه إلى نوع من شعر التصوف والفيوضات العرفانية متخذاً من التصوف لدى الشعراء الفرس هادياً، ومهتماً بتقطير اللغة وتهذيب الصور وتهدئة الإيقاع الروحي في معمار سلس وصاف منسجماً مع حالة الزهد التي آثرها. كان صوتاً عذياً في شعر التفعيلة ولم يناوئ قصيدة النثر فقد كان مثقفاً منفتحاً وشاعراً ينحاز لجوهر الشعر في شتى تجليات صوره.مثل محمد علي، شاعراً وأنساناً، يستحق ان تنكس له رايات الشعر ويليق به حداد الشعراء وبكاء الطيور.

المنظر لحالو بيحكي! مطعم و كافيه قدموس كاسكادا مول تعنايل للحجز 81115115 ‏ Our Online Menu: https://menu.omegasoftware.ca/cadmus Website: www.cadmus-lb.com #Restaurant #Cafe #Lakeside #CascadaMall ‏#5Stars #Lebanon #International #Fusion #Cuisine ‏#Royal #Zahle #SendYourSelfie #Halal #Mediterranean ‏#Lebanesefood #holiday #cadmusrestocafe #food #foodphotoghrafy #delicious #ribs #family #isocertificate #lebanese #yummy #tasty #Cadmus #waffles #wings

 

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com