أبعد من الحكومة المفقودة: مخطط كبير يستهدف لبنان؟
ثمة عقدة خفية. بمجرّد اكتشافها، يمكن فهم السر الذي عرقل تشكيل الحكومة، في لحظتها الأخيرة. ولا بد من ربط هذه العقدة بقرار أميركي، قضى بالإنسحاب من سوريا. والقرار الأميركي هذا، يعني تسليم سوريا لروسيا، التي تدير الوضع مع الإيرانيين، والإسرائيليين، والأتراك.. وتبحث عن طرف سنّي سوري، يوفّر المشروعية لمسار موسكو السياسي.
ضمن هذا المسار، كانت الحكومة اللبنانية على وشك الولادة،
بفعل ضغوط روسية كبيرة، فرضت على الأفرقاء اللبنانيين ضرورة تقديم تنازلات،
تنتج حكومة وحدة وطنية.
أربع وعشرون ساعة
تركّز الضغط
الروسي على لبنان، قبل أسبوع من جلسة مجلس الأمن، التي عقدت للبحث ملف
أنفاق حزب الله، والخروقات التي يدّعي المجتمع الدولي أن الحزب قام بها.
عملت موسكو على ضرورة تشكيل الحكومة لمواكبة هذه التطورات. وتزامن التسهيل
الإيراني للملف الحكومي اللبناني مع تسهيل في ملف الحكومي العراقي أيضاً.
أربع وعشرون ساعة كانت فاصلة، أعادت عقارب الساعة إلى الوراء، لتحلّ
السلبية التامة بدل الإيجابية الفائقة، في العراق كما في لبنان. فأطيحت كل
الجهود الرامية إلى تشكيل الحكومة.
خلال هذه الساعات الأربع والعشرين، كان الأميركيون يتخذون
قراراً بالإنسحاب من سوريا، مع ما يعنيه ذلك من مكاسب لموسكو وأنقرة. فيما
بقي السؤال الأساسي، والملّح، عن إيران ودورها، ومصيرها، وتأثير هذا القرار
عليها. هذا ما يرى فيه البعض إرتباكاً أصاب الإيرانيين، الذين لم يتوقعوا
خطوة من هذا النوع، بينما ذهبوا إلى درسها وقراءة تداعياتها والتمحيص
بخلفياتها، وعلى ماذا تنطوي. هناك من يشير إلى أن إيران وقعت في حال ارتباك
من جراء القرار الأميركي، إذ أنه قد يكون ممهداً لخطوات جديدة، من شأنها
أن تنعكس سلباً على الوجود الإيراني في سوريا. وبعض المغالين ذهبوا إلى حدّ
اعتبار أن الإنسحاب الأميركي، قد يمهّد لضربة عسكرية، خصوصاً عبر الربط
بين ثلاثة نقاط أساسية، الإنسحاب الأميركي، جلسات مجلس الأمن الدولي،
والقرار الإسرائيلي بإجراء انتخابات مبكرة. وما يعنيه ذلك من حاجة للتصعيد
خارجياً، التي قد تتطور إلى معركة عسكرية.
من إيران إلى باسيل
بينما
هناك من يعارض وجهة النظر هذه، ويعتبر أن القرار الأميركي متخذ منذ فترة
طويلة، وينسجم مع منطق ترامب، الذي انتخب على أساسه وهو “أميركا أولاً”.
ويعتبر هؤلاء أن الإنسحاب الأميركي لن يؤدي إلى أي تغيير دراماتيكي على أرض
الواقع. وسيقتصر فقط على إستفادة تركيا وروسيا من هذه الخطوة. كما بإمكان
إيران الإستفادة معنوياً، من خلال إشارتها إلى انسحاب الأميركيين مقابل
بقاء قواتها في سوريا. وثانياً، العمل بشكل مريح على الحدود السورية
العراقية، بشكل يسمح لها بإعادة تعزيز عملها على تشييد الخط البرّي، الذي
يصلها بالبحر المتوسط، عبر العراق وسوريا وصولاً إلى لبنان.
وسط كل هذه القراءات، يبرز سؤال أساسي حول تشكيل الحكومة في لبنان. هل يستطيع جبران باسيل وحده عرقلة هذه التشكيلة الحكومية؟ أم أن هناك ما يجمع بين مصلحته ومصلحة حزب الله الإستراتيجية؟ وهذه تحتّم عدم تشكيل الحكومة حالياً؟ أيضاً هنا تنقسم الآراء اللبنانية. ثمة من يعتبر أن ما يجري، يندرج في إطار توزيع الأدوار. فكل طرف يسعى إلى تعزيز وضعه وشعبيته. بينما هناك من يرى أن ثمة خلافاً حقيقياً بين الطرفين، انعكس في الإعلام، من خلال تقاذف الإتهامات بين الحزب والتيار الوطني الحرّ.
وأيضاً من بين القراءات، قراءة مفادها أن هناك خلاف روسي
إيراني على الوضع في لبنان. وهو ينعكس بشكل أو بآخر بين باسيل، الذي تحدث
قبل فترة عن تحالف مشرقي، وحزب الله من جهة أخرى، الذي يرفض حصول باسيل على
الثلث المعطّل. ويبحث الحزب عن شخص يشبه جواد عدرا، على أن يكون المخرج
لتوزيره ملائماً.
قراءة برّي
ينظر الحزب إلى باسيل كرجل
يخوض معركة “العهد المستمر”، لأنه يعتبر أن هذه الحكومة هي التي ستدير
البلد حالياً ومستقبلياً، تحت أي ظرف من الظروف، لأن ولايتها ستستمر لثلاث
سنوات ونصف، وستدير انتخابات نيابية وربما رئاسية، ولذلك يصر باسيل على أن
يكون هو صاحب القرار الأساسي فيها.
حسب المعطيات المتوفرة، إذا لم تبرز أي مساع جدية، للوصول إلى تسوية مؤقتة، في موضوع الحكومة، فإن حال البلد قد تتجه إلى أزمة نظام. وهذه إشارات يمكن تلقفها من كلام باسيل والبطريرك الراعي في اليومين الأخيرين. يبقى للرئيس نبيه برّي قراءة مغايرة، أعلن عنها، بوضوح وصراحة، في معرض تحميله مسؤولية التعطيل للوزير باسيل، واصفاً إياه بأنه “أحرق الطبخة”، ومعتبراً أن هناك من لا يريد تشكيل الحكومة، إنسجاماً مع مخطط كبير يرسم خارجياً للبنان.
المدن