غموض في خليج عمان.. وحرب الناقلات مستبعدة
بعد نحو شهر على حادثة الفجيرة، وقعت حادثة ناقلتي النفط النروجية واليابانية في خليج عمان أثناء زيارة رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، طهران. ووجهت واشنطن أصابع الاتهام في الأمس القريب إلى إيران، على نحو ما فعلت اليوم. وغموض التسجيل الذي بثته الادارة الأميركية وقدمته كدليل يدين إيران، ساهم في النفخ في جو التآمر والمؤامرة. وسرعان ما راجت على تويتر تغريدة #خليج تونكين، ورمت التغريدات إلى التنبيه إلى أوجه شبه بين خليج عمان و”خليج تونكين” يوم وجهت واشنطن الاتهام إلى فيتنام الشمالية بمهاجمة مدمرة اميركية في ذاك الخليج في 1964.
وحينها، تمكن الرئيس الاميركي ليندون جونسون، من إقناع الكونغرس بتدخل عسكري اميركي أوسع في فيتنام. وخلص المؤرخون إلى أن ذاك الهجوم لم يقع قط، واليوم صارت خدعة جونسون دليلاً على عمليات الخداع.
مؤامرة ولكن..
ولكن بعيداً عن نظرية المؤامرة، يوضح إيليوت هيغنز، مدير موقع بيلينغات الاستقصائي، في نيويورك تايمز في مقالة عنوانها هل كانت إيران وراء الهجوم؟ نظرة فاحصة على الأدلة
التباين بين الأمس واليوم. ففي الأوقات المعاصرة في وسع المراقبين الغَرف
من مصادر الانترنت الواسعة ومصادر المعلومات الرسمية المنشورة على الشبكة
لإثبات مثل هذا الهجوم أو نفيه، ولم تعد مسافة آلاف الأميال تحول دون
التثبت مما جرى. فالمراقبون المستقلون في متناولهم معلومات توفرها صور
الأقمار الصناعية، وهذه لم تعد حكراً على أجهزة الاستخبارات بل تنشرها
أدوات يستخدمها كل منا يومياً مثل غوغل مابس. ووسائل التواصل الاجتماعي هي
منابر يتشارك فيها الناس المعلومات. والبيانات على الانترنت في متناول أي
كان، وعلى موقع مارين ترافيك، ثبت أن ناقلتي النفط “كوكوكا كوراجوس” وفروت
آلتير” كانتا في خليج عمان، ونشر موقع سانتينل هاب صوراً تظهر اندلاع حريق
في الناقلتين. فالحادثة وقعت، وهذا لا شك فيه. ولكن لا دليل على أن
الإيرانيين هم من زرع اللغم الذي لم ينفجر، وأنهم من تولى إزالته.
ويستبعد استاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، صادق زيبا كلام، في مقابلة نشرها موقع إيران واير أن تكون الحادثة ثمرة مؤامرة حاكتها دول إقليمية معادية على ما يقول مسؤولون إيرانيون، منهم وزير الخارجية محمد جواد ظريف، لإشعال فتيل مواجهة بين أميركا وإيران. فمن أين لمثل هذا التآمر الاقليمي أن يدور في جوار مضيق هرمز، أي في “بحيرة سلاح البحرية الإيراني الخلفية” من دون أن يتناهى الأمر إلى القوات المسلحة الايرانية والقوات البحرية؟ ومن المستبعد أن يُعد لمثل هذا التخريب في هذه المنطقة في غفلة من القوات الايرانية.
ويؤيد بعض القادة في إيران ممن يعارضون تطبيع العلاقات بين إيران والغرب وأميركا، الصدام العسكري. وربما يحسبون، على قول زيبا كلام، أن كفة إيران سترجح في مثل هذه المواجهة العسكرية، فيتسنى لهم، كما قالوا مراراً وتكراراً، تلقين أميركا واسرائيل درساً لا يُنسى. ولكن يخشى كثيرون من الايرانيين أن يخلف هجوم عسكري أميركي دماراً يعصى الخيال في إيران، ويطيح البنى الصناعية وبنى وسائل الاتصال وسكك الحديد. ولن يحول دون مثل هذا الدمار نجاح قوات ايران بالوكالة برمي اسرائيل بمئات الصواريخ وإلحاق الضرر بالقوات البحرية الاميركية والقوات الاميركية في العراق وأفغانستان.
وتمنى إيرانيون كثيرون لو لم يعد شينزو آبي أعقابه خاويَ الوفاض لقطع الطريق أمام جون بولتون وغيره من الصقور الاميركيين الذين قد يقتنصون الفرصة للقول أن الحل العسكري هو الخيار الوحيد بعد سد طهران الافق الديبلوماسي وتعبيدها الطريق أمام أفول الجمهورية الاسلامية.
ويبدو أن هذا القلق فيه شيء من المبالغة. فتقرير البحرية الفرنسية المشار إليه في لوفيغارو الفرنسية يخلص إلى أن السلطات الايرانية تدرك أنها عاجزة عن خوض مواجهة عسكرية متكافئة مع الولايات المتحدة. ولكن طهران ترمي إلى إبلاغ خصومها أنهم سيتكبدون ثمناً غالياً إذا ما هاجموها. لذا، التزمت البحريتان الاميركية والايرانية الحذر.
حرب ناقلات النفط في الثمانينات
في
نيسان (أبريل) 1988 شنت الولايات المتحدة عملية “براينغ ماتيس” في الخليج
على أهداف إيرانية رداً على استخدام طهران ألغاماً بحرية في الحرب
الإيرانية – العراقية، وجزاء توجيهها في 14 نيسان صاروخاً إلى الفرقاطة “يو
أس أس سامويل بي. روبرتس”. وفي مقالة صدرت قبل شهرين وأعيد نشرها قبل
يومين، يذكِّر دان لاموث في واشنطن بوست بأن الرد الأميركي
أدى الى تدمير البحرية الاميركية منصتي نفط إيرانيتين في الفصل الأخير من
الحرب العراقية –الايرانية. وانتهت حرب ناقلات النفط- وهي الاولى التي
خاضتها البحرية الاميركية منذ الحرب العالمية الثانية- إلى دمار القواعد
الايرانية البحرية ونصف الاسطول البحري الايراني.
ولكن شتان بين حرب ناقلات النفط في الأمس واليوم. وينبّه آرون ديفيد ميلر في تغريدة على تويتر تعقيباً على مقالة واشنطن بوست تناولت هذه الحرب إلى ان أوجه الشبه ضعيفة بين حرب الثمانينات واليوم. فحرب ناقلات النفط حينها كانت متفرعة من الحرب الايرانية – العراقية، في وقت قد يشعل الخلاف مع إيران اليوم في الخليج حرباً جديدة تجد الولايات المتحدة نفسها طرفاً رئيسياً فيها. ولا يجوز إغفال أن طهران استخلصت العبر من حرب الثمانينات، وحازت وسائل عسكرية غير تقليدية، وغير متكافئة على غرار الألغام والصواريخ والزوارق السريعة الصغيرة.
النفط
مع تعاظم التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، دعت الدول الاوروبية إلى ضبط النفس مخافة أن يؤدي التصعيد الى تقويض حركة التجارة في مضيق هرمز، وهو ممر ثلث صادرات النفط الخام. وإذا أغلق المضيق، ارتفعت اسعار النفط. ولكن ريك نواك وكلير باركر يلاحظان في واشنطن بوست أن الولايات المتحدة لم تعد تعتمد على تدفق النفط في الخليج على ما كان أمرها في الثمانينات. فأميركا تنتج كميات كبيرة من النفط الصخري. ولكن ما تقدم لا ينفي أن هذه المنطقة لا تزال ممراً مائياً حيوياً في ميزان الاقتصاد العالمي، على ما ينبه نيكولاس بيرنز، الاستاذ في هارفرد ووكيل وزارة الخارجية الاميركية للشؤون السياسية في إدارة الرئيس جورج دبليو بوش. ولكن حرب الناقلات في ذروتها لم تعرقل إلا 2 في المئة من حركة السفن العابرة في المنطقة.وأسعار النفط مستقرة إلى حد بعيد. إثر الهجوم الاخير ارتفع سعر برميل البرنت نقطتين وبلغ 62.58 دولاراً ثم تراجع في اليوم نفسه الى حوالى 61 دولار. غرّد دونالد ترمب قبل أيام على تويتر قائلاً إنه، شأن المرشد الأعلى الايراني، غير مستعد لإبرام صفقة جديدة. ولكن خطر المواجهة بين إيران وأميركا يتعاظم في غياب قنوات التواصل وآليات خفض التوتر والتصعيد.
المدن