باسيل “الفينيقي” يروّج لحزب الله وحلف الأقليات في الغرب
يحمل وزير الخارجية جبران باسيل جيناته اللبنانوية، مبشّراً
بفتح بلدان الإغتراب. في ذهنه صورة “الفينيقي” الذي حفر الجبل بإبرة، وأسس
أسطولاً ليجوب البحار والمحيطات واكتشاف القارات والبلدان. التبشير
باللبنانوية، بالمفهوم الباسيلي، يحتاج إلى التشبه بآخرين من صنف ترامب
بدعوته للجدار مع المكسيك. و”التبشير” ثقافة مسيحية لها سرّها وإرثها.
وربما بات باسيل يتقن أداء دوره كـ”مبشّر”. يختصر باسيل لبنان بجيناته
الموروثة، فيقول في افتتاحه لمؤتمر الطاقة الإغترابية في الولايات المتحدة
الأميركية، بدورته الرابعة: “إن النجاح هو صفة تترافق مع اللبناني، فهو
صاحب جينات موروثة من أجداده، الذين لم ينتظروا أبداً الصدفة أو الحظ ليطرق
أبوابهم”.
صراع الأعراق!
إذاً، لا يترك باسيل فرصة
للحظ، إنما يسعى لتحقيق ما يصبو إليه، ولو اقتضى ذلك اختصار تاريخ لبنان،
بتقديم رؤيته له المتجاوزة للموضوعية، فتكون الرؤية نتاج رغبة لا قراءة.
تماماً عندما أعلن قائلاً للمغتربين: “يحل اللاجئون الفلسطينيون والنازحون
السوريون مكانكم، بدلاء عن أصحاب الحق الشرعي والطبيعي”. وكأن اللبنانيين
تهجروا أو هاجروا بسبب وجود اللاجئين الفلسطينيين والسوريين. وهذا تجاوز
للوقائع والتاريخ. يسعف باسيل نفسه بخطاب “الغرباء” ولا بأس من الإستعانة
بنموذج دونالد ترامب في تعاطيه مع الغرباء، على الحدود مع المسكيك، أو
التشبّه برجب طيب أردوغان في تعاطيه مع السوريين أو الأكراد. يريد الرجل أن
يصنّف نفسه، على هذه النماذج “الشعبوية” التي تسود العالم وتجتاحه، في
استعادة لصراع “الأعراق” المغلّفة قومياً، أو طائفياً.
يقدّم باسيل نفسه، كجزء من هذه المنظومة الشعبوية المتنامية، المرتكزة في خطابها على الخواف الاجتماعي والسياسي، لدى مجموعات سكانية تخشى الإنقراض، وتحتاج إلى التعاضد فيما بينها لمواجهة “الذوبان”، ولو اقتضى ذلك التحفيز العنصري أو الطائفي لتحقيق غايات وطموحات سياسية. طموحات أصبحت جلّية وأبعد من معركة رئاسية أو انتخابية برلمانية أراد باسيل افتتاحها باكراً، في جولته الإغترابية.
هو يعمل على تسويق نفسه دولياً. ويقدّم نفسه كصاحب قرار
وسلطة، استناداً إلى موقعه وكتلته القوية وقربه من رئيس الجمهورية، وعلاقته
الجيدة بحزب الله وبتيار المستقبل، إلى جانب تثبيته لعلاقاته مع القوى
الغربية، من ألمانيا إلى بريطانيا وصولاً إلى أميركا. ورغم أن المسؤولين
الأميركيين المدعوين إلى مؤتمره لم يحضروا، بسبب علاقته بحزب الله، إلا أنه
سيبقى يحاول و”لن ينتظر الحظّ”.
يسوق باسيل نفسه ليس كوزير خارجية، بل بوصفه “المنقذ”، بعدما قال في ختام المؤتمر: “نجاحنا هو نجاح للجميع في الكهرباء والبيئة والاقتصاد والخارجية، وفشلنا هو فشل لنا جميعا”.
دور الوسيط
ينطلق
باسيل، من مبدأ أن بعض الدول الغربية تحتاج غالباً إلى حزب أو شخص يلعب
دور الوسيط أو “المراسل” بينها وبين حزب الله. لعب الرئيس نبيه بري سابقاً
هذا الدور. واليوم يحاول باسيل أن يسحب هذا الدور من رئيس المجلس الذي
مارسه خصوصاً منذ العام 2005 إلى اليوم. كل التطورات التي جرت مؤخراً،
خصوصاً في ظل العقوبات، اعتبرها باسيل فرصة له ليقوم بهكذا دور، أي كصلة
وصل بين المجتمع الدولي وحزب الله. يقدّم نفسه كلاعب لهذا الدور. وهذا
الأمر لا ينفصل عن عودة العميل عامر فاخوري. إذ لا أحد في لبنان سيكون
قادراً على إعادة هذا الشخص، إلا باسيل، إرضاء للأميركيين واستناداً إلى
علاقته مع حزب الله.
لو أن أي شخص غير باسيل (الذي يرفع شعار “إعادة المبعدين”)
كان له علاقة بهذا الأمر، لكان انتهى سياسياً. بل وهذا لا ينفصل أيضاً عن
كلام سابق لوزير الخارجية حول حق إسرائيل بالأمن والسلام، وأن لا خلاف
إيديولوجياً معها. فلو اتخذ هذا الموقف من قبل غيره، لكان قُضي عليه
سياسياً.
حلف الأقليات
هذا يعود بنا إلى العقدة الأساسية
التي يسعى كثر إلى جعلها أمراً واقعاً. وهي فكرة “حلف الأقليات” الذي يحتاج
إلى تثبيت ورسوخ وجعله أمراً واقعاً ودائماً. والأساس التطبيقي لهذه
الفكرة هو تحالف مسيحي شيعي (وعلوي). والركيزة الأساسية لهذا التحال، هي
لبنان، نظراً لوضعه وموقعه، وإنطلاقاً من ارتباطات القوى الإقليمية
والدولية: جناح حزب الله بعلاقته مع إيران، مقابل جناح مسيحي بعلاقاته مع
الغرب. وتنضوي تحت مظلتها مجموعات أقلوية متعددة.
التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ بعيد المدى،
وأساسه أن لدى القوى المسيحية إمتدادات خارجية، وتتمتع بعلاقات وثيقة مع
فرنسا وأميركا ودول أوروبية. ويمثّل الإغتراب الذي يهتم به باسيل، باعتباره
جسماً يجب استعادته أو الإستفادة منه، هدفاً لتوسيع العلاقة وتوثيقها بهذه
الدول التي تحتضن كل هذه الجاليات.
حاجة حزب الله
وما
يتحدث به باسيل في مؤتمراته هو تعزيز دور المسيحيين، بما يمثلونه للهوية
اللبنانية في لبنان وفي المنطقة، ومروجاً لضرورة العلاقة والتحالف مع حزب
الله، كقناعة راسخة بأن هذا الحلف يفيد المسيحيين، و”يحمي” لبنان من المحيط
العربي. وخصوصية هذا التحالف تجعله قادراً على بناء علاقة جيدة مع الغرب.
فيقدّم نفسه كطرف ضامن للاستقرار في المنطقة، استناداً إلى نظام المصالح مع
المجتمع الدولي.
هذه المعادلة تضمن لحزب الله بعض المشروعية وتخفف عنه الضغوط. وباسيل هو الشخص الذي أول من يُسأل عن حزب الله في جولاته الخارجية. وهو يتحدث بثقة في هذا المجال، كما بدا في مواقفه وإطلالاته الإعلامية الأوروبية والأميركية. تاريخ العلاقة الاستراتيجية مع الحزب، يتيح لباسيل أن يتحدث عنه بأريحية، ويجعل الطرف الأوروبي والأميركي يتعاطى معه بجدية عندما يتحدث في هذا المجال. بمعنى أنه يلبي حاجة خارجية لحزب الله، لأن العنوان الأول للبنان خارجياً هو حزب الله، سواء بالخصومة أو المهادنة أو فتح علاقات إيجابية.
منير الربيع – المدن