نهاية المظلومية العونيّة: عماء السلطة والاستخفاف باللبنانيين
لا يزال التيار العوني قابعاً في حادثة 13 تشرين الأول 1990، ولا يريد مغادرتها معتبراً أنها محطته الوحيد لادعاء المظلومية.
التظلم المسيحي
وهو
يُرفق مظلوميته بخطاب طائفي شعبوي متطرف، وقابل للمزيد من التعاطف الشعبي
المسيحي. لذا تبدو له مغادرة المظلومية خسارة كبرى. أما استمراره غارقاً في
تلك الحقبة، فيبعده مسافات من الواقع. والواقع الحقيقي هو وصول العونية
إلى السلطة وارتباطها ارتباطاً وثيقاً بها منذ أكثر من عشر سنوات، عوضت بها
عن رغبتها الجامحة في دخول السلطة شريكاً في ترويكا السلطة في التسعينيات.
بل هي خطت خطوة سلطوية كبيرة بوصول الجنرال ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية
قبل ثلاث سنوات، ومحاولته اختزال السلطة كلها في شخصه مع صهره جبران باسيل
بتكليف من حزب الله.
تعديل الصلاحيات
وعملت العونية
–الباسيلية واقعياً وسياسياً على تعديل الصلاحيات بقوة الممارسة. لكن وجود
التيار العوني في السلطة فاقم حال فصامه، إذ ظل يستخدم خطاب المعارضة.
وهذه عادة سياسية أرساها نظام الطائف والوصاية السورية الأسدية على لبنان.
وهذا ما فعله ميشال عون وصهره بإطلالتهما أمس الأحد على حشود أنصارهما من
القصر الرئاسي في بعبدا، متشبهين بالرئيس المصري الإخواني الإسلامي محمد
مرسي الذي خاطب أنصاره من قصر الاتحادية الجمهوري في القاهرة قائلاً لهم:
“أنتم أهلي وعشيرتي”. وساهمت هذه العبارة في خروج الشعب المصري في تظاهرات
مليونية لخلعه من سدة الرئاسة.
لا يعترف التيار العوني بأن اللبنانيين يحاولون الخروج على
شرانق نظامهم السلطوي وزعاماتهم، وتحديداً في البيئة المسيحية، التي تختلف
عن البيئتين السنية والشيعية اللتين التحق أبناؤهما بركب السلطة، في
المراحل السابقة، فيما كان المسيحيون ينقلبون على أصحاب السلطة في أواخر
العهود الرئاسية. ويعلم اللبنانيون اليوم أن التيار العوني يريد اختزال
السلطة والمعارضة معاً، لتأمين استمراريته في السلطة. لكن الناس تغيّروا.
وهذا ما لا يصدقه لا جبران باسيل ولا ميشال عون، متسائلين، منذ اندلاع
انتفاضة 17 تشرين الأول، عن سبب غضب الناس منهما.
السطو على المعارضة
هذا
ما دفع باسيل إلى خوض معركة استعادة الشارع في تظاهرة بعبدا الأحدية،
والسطو على شعارات انتفاضة 17 تشرين، بالتزامن مع استمراره في خوض معركة
ثانية مع القوى السياسية السلطوية، مدعياً أنه يريد المحاسبة على الأداء
الذي أدى الى تفجير الشارع، وأن خيارات الناس هي خيارات تياره.
وما رمى إليه باسيل هو هدف سياسي محض: الفرز داخل الفرز، داخل
أجنحة السلطة، وتصفية حساباته مع بعض أجنحتها، كأنما الوضع لا يزال على ما
كان قبل الانتفاضة الشعبية المختلطة طائفياً، والتي خرجت على الطائفية
الباسيلية – العونية، المستمرة في التعايش مع حال النكران والتي تجلت في
الخطاب الباسيلي الأحدي، الذي حمل فيه مسؤولية ما يجري للأفرقاء الذين
كانوا في السلطة منذ العام 1992، مبرئاً نفسها منها، وملمحاً إلى أن تحالفه
الأساسي هو مع حزب الله الذي يبرئ نفسه، مثل التيار العوني، من المسؤولية
عن كل شيء، إلا عن المقاومة واحتكارها.
استضعاف الحريري!
ما
أراده باسيل يندرج في إطار محاولته الاستفادة من المشهد السياسي، عبر
إظهار قوته، وأن لديه رؤيته، وأنه لن يسمح بما سمح به من قبل. وهذا يعني
أنه يستعد لمواجهة جديدة ضد غيره من القوى السياسية. وتحديداً سمير جعجع
ووليد جنبلاط، فيما سيكون سعد الحريري خاضعاً لضغوط دائمة ومستمرة،
ولعمليات ابتزاز، يحاول باسيل فيها تدفيع الأثمان لخصومه من القوى
السياسية، كما كان يجري في السابق.
يصر باسيل على استكمال انقلابه، وتثبيت وقائع جديدة في معادلة
السلطة، على قاعدة نصف انقلاب: إخراج جعجع وجنبلاط، من المعادلة، مع
استمرار الضغط على الحريري باعتباره الحلقة الأضعف في معادلة السلطة،
وعودته إليها مرتبطة بقدر ما يقدمه من تنازلات لصالح باسيل وحزب الله. لذلك
لا بد من انتظار ما سيقرره الحريري، الذي لا يتعرض للضغوط فقط، بل لعملية
تهشيم مستمرة لصلاحياته، بفرض عون معادلة تشكيل الحكومة قبل تكليف رئيسها.
وهذه مخالفة صريحة للدستور، لأن رئيس الحكومة هو من يشكلها ويختار شكلها.
ركوب الموجة
وفي
إطار المبارزة المستمرة بين باسيل والحريري، تشير معلومات إلى أن الأخير
مرر موقفاً حاسماً: إما ان يكون هو رئيس الحكومة، أو لن يكون هناك أحد من
فريقه أو القريبين منه، وبحال لم يكن هو رئيس الحكومة فإنه سيقاطعها، ولن
يشارك بتسمية وزراء فيها. ما يعني نزع الشرعية السنّية عنها. وهذه هي
الورقة التي يستخدمها الحريري لتحسين شروطه في مواجهة شروط عون وباسيل.
لكن الأساس هو أن باسيل ورئيس الجمهورية اللذين حاولا ركوب موجة الشارع، لا يزالان يعتبران أن الشارع وتحركاته من شمال لبنان إلى جنوبه، تصب في صالحهما! فيما الحقيقة إن هذه الحشود هي ضدهما، وتستهدفهما، وشارعهما هو الذي اختزلوه في تظاهرة بعبدا، والتي أظهرت رئيس الجمهورية طرفاً سياسياً لا لبس فيه، مع إسقاط منطق “بيّ الكل”، في إصراره مع باسيل على تحطيم صلاحيات رئاسة الحكومة، بفرضهما الشروط على الحريري للإتيان به مجرداً، ولإرساء معادلة رئيس حكومة مقابل مقابل وزير، ولتثبيت باسيل مقرراً في مجريات الحكم كلها. لكن ما لا يعلمه الرجلان أن الناس تخطتهما، وأصبحت في مكان آخر. فما بعد 17 تشرين ليس كما قبله. ومعادلة 13 تشرين العونية نفد زيتها.
المدن