عون طلب.. والحريري رفض
تشير كلّ المعطيات والمعلومات التي ترشح من اللقاءات والاتصالات الجارية لإنجاز الاستحقاق الحكومي تكليفاً وتأليفاً، أنّ عدم الاتفاق بين المعنيين حتى الآن على شخص رئيس الحكومة الجديدة وحجمها ومواصفات وزرائها، سيبقي البلاد طويلاً في ظلّ حكومة تصريف الأعمال.
لم تنجح بعد المحاولات والجهود المبذولة في إقناع الرئيس المستقيل سعد الحريري بقبول تسميته مجدداً لتأليف الحكومة الجديدة، مع العلم انّ بعض المطّلعين على موقفه المضمر يؤكدون أنّه «يتمنّع وهو راغب» في تولّي هذه المهمة.
والذين اطلعوا على ما دار في
اللقاء امس الاول بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والحريري، جزموا
بأنّه لم يتوصل الى نتائج ملموسة، على صعيد تهيئة الظروف الملائمة لإجراء
استشارات التكليف، ولا حتى على صعيد ما ستكون عليه طبيعة الحكومة العتيدة
وتركيبتها الوزارية، إذ كرّر الحريري تأكيد عدم رغبته البقاء في الرئاسة
الثالثة، فطلب عون منه عندئذ أن يرشّح شخصية أو أكثر لرئاسة الحكومة
الجديدة حتى لا يكون هناك أيّ تململ او اعتراض، او حتى امتعاض، داخل بيئته
من تيار «المستقبل» الى الطائفة الإسلامية السنية بكلّ قياداتها ومكوناتها،
ينطلق من افتراض انّه (أي الحريري) أُبعد، أو «أُحرج فأُخرِج» من رئاسة
الحكومة، الأمر الذي يمكن أن يُحدث اضطراباً في البلاد. لكنّ الحريري رفض
تسمية أحد، الأمر الذي اثار امتعاض عون واستياءه.
المهتمون بتتبّع حركة الحريري منذ إعلان استقالته، ينقسمون في توصيف هذه الحركة وتفسير أبعادها والخلفيات الى 3 أفرقاء:
ـ الفريق الاول يقول انّ الحريري يتمنّع عن قبول تولّي رئاسة الحكومة الجديدة، ولكنّه يرغب بها بشدّة، وانّ غايته من هذا التمنّع تحسين شروطه ومكاسبه على مستوى تأليف الحكومة وحجمها ونوعية وزرائها والقوى التي ستُمَثّل فيها وبيانها الوزاري. والبعض يقول انّ الرجل يريد هذه الحكومة مصغرة، وأن يكون وزراؤها من التكنوقراط غير السياسيين، لأنّه يعتبر أنّ تجربة الحكومات السياسية قد فشلت، وأنّ الخلافات التي تحصل بين مكوّناتها على طاولة مجلس الوزراء وخارجها هي ما يحبطها. أما الحكومة غير السياسية، فيمكن أن تُشكل فريق عمل منسجم لا همّ لديه سوى العمل على معالجة القضايا الاقتصادية والمالية وشؤون الناس بعيداً من أيّ سياسة وتسييس.
كذلك يقول هذا الفريق انّ الحريري لا يفكر بالابتعاد عن السلطة لأنّ ذلك يُلحق بوجوده وبمستقبله في الحياة السياسية أضراراً جسيمة، ولذلك هو يفاوض الآن وسيقبل تولي رئاسة الحكومة لحظة يشعر أنّه سيكون مرتاحاً الى التشكيلة الوزارية الجديدة.
ـ الفريق الثاني، يقول انّ الحريري راغب جدياً بالخروج نهائياً من رئاسة الحكومة لاقتناعه، بل لوجود معطيات لديه، تشير الى انّ مستقبل البلاد الاقتصادي والمالي لن يكون مريحاً، وانّ المساعدات والقروض الموعودة من مؤتمر «سيدر» وغيره لن ينالها لبنان في ظل الازمة السياسية القائمة وفي ظل تعاظم نفوذ حزب الله وحلفائه في لبنان والمنطقة، والموقف العربي الخليجي والموقف الاميركي والغربي المناهض له عموماً. ولذلك ربما يعتقد الحريري انّ خروجه من رئاسة الحكومة في هذه المرحلة هو الخيار الأسلم لمصلحته ولمستقبله في الحياة السياسية، بل انّ البعض ينبّهه الى انّ الوضع الراهن هو بمثابة «محرقة»، وعليه تجنبها بالابتعاد عن السلطة في هذه المرحلة.
ـ الفريق الثالث، يقول أن الحريري يرغب بالابتعاد عن السلطة لشعوره انّ الوضع اللبناني بعد الانتفاضة الشعبية التي انطلقت في 17 من الشهر المنصرم ولم تنته فصولاً، قد خرج عن السيطرة الداخلية، وانّ المحتجين لن يخرجوا من الشارع ايّاً كان حجمهم وساحات تحركهم، فهم عبّروا عن وجع حقيقي تراكم بفعل اداء السلطات المتعاقبة والفساد المستشري منذ عشرات السنين، وزاد في الطين بلة أنّ دولاً مؤثرة وجهات خارجية فاعلة دخلت على خطّ هذا الحراك الشعبي، وانّ الآتي في شأنه سيكون أعظم، وقد يؤول الأمر الى وضع لبنان تحت وصاية دولية سياسية واقتصادية ومالية تمارسها المؤسسات الدولية المعنية، في حال صحّت توقّعات بعض أصحاب الاختصاص والسياسيين بانزلاق لبنان الى انهيار اقتصاديّ ومالي.
إلّا أنّه بغضّ النظر عما اذا كان الحريري سيُسمّى لرئاسة الحكومة أم لا، فإن النقاش في مختلف الدوائر المعنية والمطابخ الداخلية والخارجية المهتمة بالاستحقاق الحكومي تتنازعه فكرتان:
ـ الفكرة الاولى، تنادي بتأليف حكومة تكنوـ سياسية تتمثل فيها الغالبية الساحقة من القوى السياسية والطوائف بعدالة بحيث يراوح عدد أعضائها بين 14 و24 وزيراً، شرط ان تكون كلها وجوهاً جديدة.
ـ الفكرة الثانية تنادي بتأليف حكومة تكنوقراط غير سياسية بحيث تكون انتقالية ويتحدد عمرها بستة الى ثمانية أشهر في بيانها الوزاري الذي يقتصر نصه على بندي معالجة الازمة الاقتصادية والمالية ومكافحة الفساد بإشراف أممي، وتتخذ هذه الحكومة خطوات عملية في هذا الصدد لتمكين لبنان من استعادة الثقة العربية والدولية المطلوبة ليعاود استنهاض اوضاعه الاقتصادية والمالية، ثم تأتي بعدها حكومة تقرّ قانون انتخاب جديد وتجري انتخابات مبكرة على أساسها، حتى ولو اضطر الامر الى تقصير ولاية المجلس النيابي الحالي.
ويؤكد اصحاب هذه الفكرة انه لا ينبغي على القوى السياسية ان تتحسّس من حكومة التكنوقراط التي لن يرد في بيانها الوزاري أيّ ملف خلافي من سلاح حزب الله الى النازحين السوريين والعلاقة مع سوريا. فهذه الملفات تترك للحكومة التي ستليها، فيما سيكون هم الحكومة التكنوقراطية معالجة الاوضاع المالية والاقتصادية ومكافحة الفساد لمنع الانهيار الذي يتهدد لبنان في هذه المرحلة
الجمهورية