لهذه الأسباب لن ينخفض الدولار ولن يتحسّن الاقتصاد
كتب خضر حسان في المدن
قبل إسقاط حكومة سعد الحريري في العام 2019، طَرَحَت تلك الحكومة ورقة اقتصادية ذات بُعدٍ إصلاحي إنقاذي للأزمة الاقتصادية والنقدية. وكان الأوان قد فات شعبياً وسياسياً واقتصادياً.
لم تتمكّن المنظومة من إيجاد صيغة جديدة
للحل. فالجميع أفلَس. والمؤشّرات الاقتصادية تتسارع نزولاً. لا مبادرات
عربية أو دولية للحل، سوى التذكير بضرورة إجراء الإصلاحات المتّفق عليها في
مؤتمر سيدر، والتي أكّد عليها صندوق النقد الدولي، كمدخل للبدء بالحديث عن
مساعدات تقنية أوّلاً وماديّة تالياً.. ومع ذلك، لا ردَّ فعلٍ إيجابياً من
المنظومة.
بين فرنسا وأميركا
كَسَرَ تفجير
مرفأ بيروت عزلة المنظومة سياسياً، لكنّه زادها اقتصادياً. أمّا المبادرة
الفرنسية، فلم تخرج بإطارها العام عمّا رسمه مؤتمر سيدر وصندوق النقد،
لناحية اجراء الإصلاحات وتغيير آليات إدارة البلاد. وبالتوازي، شَهِدَ
الموقف الأميركي ليونة اقتصادية ذات بُعد سياسي، تمثَّلَت بعرض مساعدة
مادية للبنان. وبين باريس وواشنطن، يطغى البُعد السياسي على المبادرات
الاقتصادية، فيتوَهَّم اللبنانيون راحةً نفسيةً لا فاعليّة اقتصادية لها.
وتكشف أرقام صندوق النقد الدولي عقم
المبادرات العابرة للقارّات، وتعطي صورة عن مأسوية ما نعيشه. إذ أن نمو
الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي في لبنان سيبلغ مع نهاية العام الحالي،
ناقص 25 بالمئة، في حين بلغ في العام الماضي، ناقص 6.9 بالمئة. فيما ستصل
نسبة التضخّم إلى 145 بالمئة بعد أن بلغت 7 بالمئة في العام الماضي. فضلاً
عن انخفاض الإيرادات العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 12 بالمئة، في
حين وصلت العام الماضي إلى 21.1 بالمئة.
جدل السياسة والاقتصاد
في
السياسة يَسهُلُ سَوقُ الجمهور إلى حيث يريد الزعيم، وسَوقُ الزعيم إلى
حيث تريد الدولة المُسيطِرة، ويمكن قلب الموازين بخطاب أو كلمة أو حتّى
موقف. وهذه المعادلة لا تنطبق على الاقتصاد والنقد. فحين يسجّل الناتج
المحلّي تراجعاً، وتتبعها الاستثمارات ومستويات التصنيفات العالمية، وفي
المقابل ترتفع مؤشّرات الفقر والبطالة والتضخّم، لا يمكن مَحوها بخطاب أو
ورقة اقتصادية هزيلة لا تستند إلى معطيات اقتصادية حقيقية.
ما هو مُثبَتٌ حتّى الآن، وقوع لبنان في
انكماش اقتصادي قد تبلغ نسبته 25 بالمئة عند نهاية العام الجاري، بعد أن
بَلَغَت نسبته 12 بالمئة في شهر نيسان الماضي. وهذا الانكماش يعني بحسب
رئيس وحدة الدراسات في بنك بيبلوس، نسيب غبريل، أن “كل مكوّنات الاقتصاد
والمؤشرات الاقتصادية إلى تراجُع”.
توحيد سعر الدولار
حال
الاقتصاد لا يستقيم إلاّ باعتماد سلسلة من الخطوات التي تزداد صعوبة مع
مرور الوقت. ووفق ما يقوله غبريل لـ”المدن”، الحل يمرّ حتماً بصندوق النقد
الدولي. لذلك “على لبنان البدء بتنفيذ الخطوات التي حدّدها الصندوق، قبل
الحديث عن تلقّي المساعدات، ومنها إقرار قانون الكابيتال كونترول وتعديل
موازنة العام 2020 لتتضمَّن مشروعاً مالياً واضحاً على المدى المتوسّط،
بالإضافة إلى بدء التحقيق الجنائي في وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان،
إلى جانب وضع تصوّر لحل أزمة المصارف، ووضع أرقام دقيقة عن متأخّرات
مدفوعات الدولة.. وغير ذلك”.
تجاهل المنظومة لهذه الخطوات وعدم
اجتراحها حلولاً أخرى، فيما لو كان لديها اعتراضات على ما يطلبه الصندوق،
يدعم الشكوك التي يحملها القطاع الخاص والأفراد اللبنانيون، تجاه نيّة
المنظومة بعدم تطبيق أي حلّ. وهذا ينعكس على سعر صرف الدولار والقيمة
الشرائية للعملة اللبنانية، ناهيك بتداعياته على الاستثمارات اللبنانية
والخارجية. فسعر صرف الدولار سيستمر بالارتفاع ما لم تفرمله إجراءات تضخ
الدولارات وتعيد الثقة للسوق. وحتى وإن استمرَّ على معدّلاته الحالية من
دون ارتفاع كبير، يشير غبريل إلى أن “بقاء سعر الدولار ضمن هوامشه
المعتادة، لن يشجّع الاستثمار، ولن يؤدي إلى انعاش الاقتصاد، لأن المشكلة
الأساسية هي في تعدّد أسعار الصرف ما بين السعر الرسمي والسعر المعتمد لدى
المصارف وسعر السوق السوداء”. توحيد سعر الدولار هو مطلب صندوق النقد
الدولي أيضاً. فالفارق بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء “تخطّى هامش
الـ70 بالمئة”.
المؤشّرات الاقتصادية وواقع الحال المُعاش، دَفَعَا
أركان القطاع الخاص إلى تصعيد لهجتهم ضد المنظومة الحاكمة، علماً أنّهم
استفادوا منها وساروا في ظلّها منذ مطلع التسعينيات. لكنّ وضوح تخلّي
المنظومة عن دورها في الحلّ، وكأنّها تُعلِن إعدام القطاعين العام والخاص،
أفقَدَ القطاع الخاص كلّ مبررات السكوت عن المنظومة. وهو ما يعكسه غبريل
عبر تأكيده غياب الثقة “حتّى لو جرى تكليف شخصٍ لتشكيل الحكومة، وإن
شُكِّلَت حكومة جديدة، وإن وُضِعَت أفضل الخطط الانقاذية”. المدخل الوحيد
لاستعادة الثقة هو “التماس الإجراءات التنفيذية على الأرض”، بدءاً من مصير
سعر صرف الدولار.