إسرائيل تغيّر قواعد الاشتباك بلبنان.. وإيران لا تغيّر استراتيجيتها
يدخل لبنان مجدداً في مخاض جديد متنوع الاتجاهات الداخلية، المرتبطة بالتطورات الخارجية. فمنذ أيام دخل العامل الإسرائيلي بقوة على خطّ الأوضاع اللبنانية، ما يشير إلى أن مساع لإرساء قواعد اشتباك جديدة، على الساحة اللبنانية الاستراتيجية بالنسبة لإيران، التي لا يمكنها التنازل مطلقاً في لبنان. فهي تسعى دوماً إلى بلورة تسوية كبيرة فيه، تحفظ مصالحها فيه.
لبنان الساحة
ففي حال تقديم إيران تنازلات معينة للسعودية أو الغرب على الساحة اللبنانية، فإنها تريد الحصول على ضمانات أكيدة في المقابل. ذلك أن الوضعية اللبنانية لا تسمح لطهران بالمغامرة ولا بتقديم أي تنازل. أما من يتوقع استسلامها فواهم إلى أبعد الحدود. وفي هذا السياق لا بد من تسجيل ملاحظة أساسية: إيران جاهزة لخوض أي معركة في أي ساحة، مقابل تجنب فتح الصراع على مصراعيه في لبنان.
ويشكل شطر من الضربات المتبادلة في لبنان نوعاً من الاختبار. وخصوصاً في طريقة الردّ وتوزيع أوقاته، إضافة إلى نقاط الاستهداف، أي شمال نهر الليطاني وخارج نطاق عمل القرار 1701. وهناك أسلوب جديد يراد تكريسه لتقديم صورة جديدة: أصبح لبنان ضمن ساحات الصراع التي تشهدها المنطقة في إطار الضربات المتقطعة. ولم تشأ إسرائيل استهداف أي موقع لحزب الله مباشرة، بل استهدفت محيط المواقع في مناطق مفتوحة. وذلك كي لا يستدعي هذا رداً.
وهنا لا بد من ملاحظة: تستمر اللعبة بمضمون واحد، ولكن بشكل مختلف عما كان عليه الوضع أيام رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو.
تنازلات طهران الانتصارية
وفي إطار التصعيد والتحشيد الإسرائيلي لموقف دولي ضد إيران، هناك احتمال من إثنين: إما استمرار التصعيد وصولاً إلى استكمال مقوماته، ما يؤدي إلى توجيه ضربات متفرقة ضد إيران. والاحتمال الثاني هو تقديم إيران تنازل جدي للأميركيين والغرب، يتعلق بالملف النووي الإيراني لتجنب التصعيد. وتُغَطي إيران تنازلها بمشاهد في المنطقة، سواء في الخليج أو في جنوب لبنان. فتقدم طهران نفسها في صورة إنتصارية من خلال هذه المشاهد، مقابل تلبية شروط أميركية على صعيد المفاوضات.
ولكن هذه المعادلة تنطوي على تنازل إيراني للغرب، فيما تستمر طهران بمشروعها في لبنان وسوريا والعراق. ولا بد من الإشارة إلى أن الأميركيين يراهنون كثيراً على قدرة الرئيس الإيراني الجديد ابراهيم رئيسي على تقديم التنازلات أكثر من روحاني، كونه من المتشددين والأكثر قدرة على إبرام التسويات وعقد الاتفاقات.
وهنا ثمة من يعتبر أن هذه من ثوابت السلوك الإيراني، فيما الواقعية والمصلحية الأميركية تفترضان التخلي عن الكثير من الشعارات التي ترفعها لصالح حلفائها في المنطقة، مقابل تحقيق مكاسب أوسع إستراتيجياً.
منعطف 4 آب
هذه الوقائع السياسية كلها، ومحاولة القوى السياسية الاصطفاف حولها وفق سياسة الأحلاف والمحاور، لا تبدو أنها تلقى أي صدى لدى جموع واسعة من اللبنانيين. وخصوصاً أن الهموم التي تتقدم الأولويات تتعلق بتحسين واقع العيش والظروف السياسية والاجتماعية، بعيداً من الركون إلى سياسة القوى السياسية الطائفية أو المنقسمة إقليمياً ودولياً.
والأولويات هذه لا يمكن أن تنتظر رسم وقائع جديدة في المنطقة. وهي لا ترضخ إلى محاولات سياسية، هدفها إما تفريغ التحركات من مضمونها، أو السيطرة عليها وجرها في اتجاه واحد لاستثمارها شعبياً وسياسياً في مرحلة لاحقة. ويحاول اللبنانيون تخطي عوامل الفرز أو التقسيم السياسي وحتى الإعلامي.
وهنا لا بد من التوقف عند مشهد تحركات الرابع من آب، وإعادة استنهاض الشارع. فالوقائع الجديدة التي يسعى الشعب اللبناني إلى فرضها على الأرض، هدفها التأكيد على وجود فرز لبناني واضح وصاف، بعيداً عن مشاهد الشرذمة والتقسيم.
وهذا يعطي انطباعاً جدياً حول لبنانية المشهد السلمي. لكنه ليس أسير مطلب مباشر قابل لشق اللبنانيين. ومن شأن هذا المشهد أن يربك الطبقة السياسية ويصعّب محاولتها فرط هذه التحركات.
والأساس في هذه التحركات هو العمل على مراكمة مشروع وبرنامج واضح المعالم يمكنه أن ينتج توجهاً سياسياً في المرحلة المقبلة، تحضيراً للانتخابات النيابية.
منير الربيع – المدن