انفجار الصراع على الصلاحيات، بين الرئاستين الأولى والثالثة مجدداً.
انفجر الصراع على الصلاحيات، بين الرئاستين الأولى والثالثة
مجدداً. وإن مرّت ضربة الرئيس ميشال عون على طاولة مجلس الوزراء مرور
الكرام، لدى رئيس الحكومة سعد الحريري، إلّا أنها لم تمرّ لدى العديد من
الشخصيات السياسية، سنية كانت أم غير سنّية. لم يحدث في مرحلة ما بعد
الطائف، أن يخرج رئيس للجمهورية على طاولة مجلس الوزراء، ضارباً بيده،
معلناً أنه صاحب الصلاحيات في تحديد مصلحة لبنان، وهو الذي يقرر فيها. ولم
يحدث أن منع رئيس للجمهورية بعض الوزراء عن الكلام، أو يعلن هو رفع الجلسة.
مقاليد السلطة
الكلام
الذي قاله عون على طاولة مجلس الوزراء، وحديثه عن النظام السوري، وأهمية
العلاقة والتنسيق معه، وتذكير الحاضرين بأن الجميع راهنوا على سقوط الأسد،
وخسروا الرهان، ومنطلقاً في الإصرار على التنسيق مع بشار الأسد.. تدلّ على
ذهاب الأمور في لبنان باتجاه مختلف جذرياً، لا يقوم على مبدأ التوازن، لا
بل الإمعان في الإخلال بهذا التوازن، محلياً وخارجياً. وهذا ما تجلّى في
غياب صورة الحريري أو تأثيره على مسار الجلسة، وفي المحاولة “القمعية”، أو
الردّ العنيف الذي تولاه عون بنفسه، ضد وزراء القوات اللبنانية، وصولاً إلى
عدم إعطاء الكلام لوزراء الحزب التقدمي الاشتراكي.. ورفع الجلسة.
أصبحت المحاولة واضحة من قبل عون، للإشارة إلى أن مقاليد السلطة أصبحت في يده، وهو المتحكم بمسار الجلسات. هذا على الصعيد التقني. أما في الجانب السياسي، وبما يتعلّق بالملف السوري، فأصبح واضحاً أن عون يصرّ على تجاوز أي خلاف حول العلاقة مع النظام السوري، وإلزام كل القوى بتجاوز هذه المسألة، غير المطروحة بالنسبة إليه للنقاش. وأنه هو الذي يقرّر ذلك.
أراد تقديم نفسه بأنه الرئيس، الذي يتمتع بصلاحيات أوسع من الصلاحيات التي كان يتمتع بها رؤساء الجمهورية ما قبل اتفاق الطائف.
المبارزة مع “القوات”
لا
يمكن إغفال الحسابات المسيحية الشعبوية في هذه الخطوات. أولاً، من خلال
“استعادة الصلاحيات”، والتي ستلقى استحساناً مسيحياً، كانت قد برزت في
زيارة البطريرك بشارة الراعي إلى قصر بعبدا، ودعم رئيس الجمهورية
و”صلاحياته”، وما تجلّى بكلامه حول العودة إلى المادة 49 من الدستور.
وبالتالي الهدف الأسمى بالنسبة إلى عون، هو صدّ وزراء القوات، ورسم حدّ
لتدخلاتهم في الجلسات، بما يرتبط بحسابات حكومية أو سياسية، كمصادرة عون
وباسيل لخطاب وملف اللاجئين السوريين، على نحو يحرم القواتيين من تناول أي
ملف والدخول فيه، إلا ويكون التيار الوطني الحرّ قد سبقهم إليه، وصادره
منهم. وهذا أبرز ما تجلّى في السجالات بين وزراء ومسؤولي الطرفين بعد
الجلسة. إذ استمرت السجالات لأكثر من يومين، حول ملف اللاجئين. ما يؤكد
أهمية هذا الملف في الوجدان المسيحي، والصراع بين الطرفين على المزايدة
فيه، بين موقف التيار الذي يعتبر أن التطبيع مع الأسد حتمي وضروري، “لإنقاذ
لبنان”، بينما وزراء القوات يركزون على أن النظام لا يريد إعادة اللاجئين.
ولو أراد لفعل. بينما التيار يلجأ إلى إثارة الملف لحسابات سياسية داخلية،
وحشر القوى الأخرى، بغية التطبيع، وصولاً إلى توصيف أحد مسؤولي القوات
لتصرّف التيار بالقول:” إذا ابتليتم بالأسد فاستتروا”.
وضع الدستور جانباً
يقدم
عون على خطوات متعددة الأبعاد، من بينها إظهار الإلتزام بالإصطفاف
الإقليمي، سواء في الملف السوري، أو في التفاصيل اللبنانية، والتي تعتبر أن
عون مشى في قرار حزب الله بإبطال نيابة ديما جمالي، الأمر الذي اعتبره
الحريري غدراً سياسياً. هذه الوقائع كلها، تأتي للرد على كل التساؤلات
والتأويلات حول مواقف عون، وحسابات باسيل، لتؤكد بأنهما لا يزالان على
سياستهما ذاتها، ولم يخرجا عن الاتفاقات مع الحزب. هذا ما يظهر في عملية
“تجاوز” الحريري، في المجلس الدستوري، وضربه عبر إبطال نيابة عضو في كتلته،
أو في الموقف من الملف السوري والإصرار على التطبيع مع النظام. الأمر الذي
يخدم حزب الله، ويوفر غطاءً أساسياً ورسمياً لموقف الحزب، الذي بات يحظى
بحلفاء يعملون لصالحه من دون أن يطلب ذلك. عملية استرضاء الحزب والالتزام
بما يريده، ستتعزز أكثر من قبل حلفائه، خصوصاً بعد معاقبة النائب نواف
الموسوي، بما يرضي جمهور عون وباسيل تحديداً.
كل المؤشرات تدلّ بأن هناك من يتلاعب بالمسار السياسي في البلد. ما يحدث ليس تفصيلاً، من توقيع التيار الوطني الحرّ لبعض وزرائه على استقالات مسبقة محفوظة بجيب باسيل، ومن تجميد العمل البرلماني للنائب نواف الموسوي، إلى تصرفات رئيس الجمهورية.. توحي بأن الدستور قد وضع جانباً. وما يجري هو محاولات متعمّدة لخرقه، بمعزل عن أسباب ودوافع هذه الخطوات. وما لا شك فيه، أن النهج المتبّع، لن يجد من يواجهه حالياً بطريقة جدية، بعيداً عن منطق المساجلة الإعلامية. وذلك لجملة أسباب، أولاً أن بعض القوى ترفض الدخول في اشتباك مع رئيس الجمهورية حالياً، أي قبل تمرير بعض الملفات على طاولة مجلس الوزراء، وعلى رأسها بند التعيينات في إدارات ومواقع متعددة. وبالتالي، هناك خشية أن تنعكس هذه المواجهة سلباً على مطلقيها، فتتم التعيينات على حسابهم. بعد إنجاز تلك التعيينات، سيكون حينها لكل حادث حادث. وبلا شك، أن الانفجارات السياسية والاقتصادية ستتوالى، على طاولة مجلس الوزراء وخارجها.
المدن