بحيرة أوهام بشار الأسد
يعيش الرئيس السوري بشار الأسد في بحيرة أوهام، ولكنها مليئة بالكائنات السامة التي استولدها بنفسه، حتى أنه لا يستطيع أن يضع إصبعا في الماء، لأن واحدة من تلك الكائنات سوف تلدغه.
الوهم الأول أنه إذا دخل انتخابات فسوف يفوز بها. حسابيا هذا غير عاقل، كما أنه غير ممكن من الناحية العملية. أي انتخابات جديدة سوف تتطلب قبوله بثلاث لدغات. أولها أن تخضع الانتخابات لرقابة دولية صارمة. وثانيها أن يشارك في التنافس عليها معارضون حقيقيون له، لا مجرد قرقوزات لا يجرأون حتى على التصويت لأنفسهم. وثالثها أن يسمح بدعاية انتخابية متساوية، سوف تشكل فضيحة حقيقية لمنجزات نظامه النيرونية. عدديا، فإن ثلاثة أرباع السوريين باتوا ضحايا مباشرين لجرائمه. ولا أعرف بأي خراب سيغري الربع الباقي من أجل التصويت له.
الوهم الثاني أنه يستطيع أن يحافظ على طبيعة نظامه كما هو. هذا النظام سقط في أعين الناس. كما أنه سقط من عداد الأنظمة القابلة للإصلاح. إنه نظام اشترط على شعبه أن يبقى كما هو، أو أن يدوس على رؤوس الجميع بالأحذية. وهذا ما حصل بالفعل، حتى لم يعد خيار الإصلاح مطروحا. لأنه كان من الأساس غير ممكن. النظام يدرك أن أي تغيير فيه كان سيعني أن يطلق العنان للمطالبة بدولة قانون، بينما هو نظام فساد، ولا يعيش إلا على أعمال الترويع، إلا كما يعرفها السوريون كـ”حارة كل مين إيدو إلو”.
الوهم الثالث أنه يستطيع أن يستعيد سيطرته من قوى التدخل التي استجلبها لحماية بقائه. فالحقيقة هي أن كل من إيران وروسيا جاء ليبقى، واستحكم السيطرة على الأرض وبنى فوقها مصالح لم يعد ممكنا التراجع عنها. وهو لن يحكم إلا من خلالها. ويعرف أنه سوف يُلدغ لدغة قاتلة فور أن يُظهر أدنى إشارة على التمرد على أي أحد.
الوهم الرابع أنه يستطيع أن يعيد بناء ما تهدم. إذ لا روسيا ولا إيران تملكان من السعة المالية ما يكفي لتمويل إعادة إعمار تتطلب نحو 200 مليار دولار. وفي المقابل فإن استثمارات الدول الأخرى لا بد وأن تكون مشروطة بضمانات. أولها أن يكون هناك نظام صالح للبقاء، لا نظاما أقرب إلى الجثة المتعفنة.
الوهم الخامس أنه يستطيع أن يواصل رفع شعاراته البالية عن الصمود والتصدي. فهذا الهراء، صارت إسرائيل تسخر منه كل يوم تقريبا. بل إنها تضرب قواته وميليشيات حلفائه بالتنسيق مع حليفه الآخر بالذات، من أجل أن يعرف حدوده داخل بعض غرف قصره، لا كلها طبعا. وهذه الحدود لم تعد تسمح له بترديد العنتريات السابقة.
الوهم السادس أنه يستطيع السيطرة على سوريا السابقة. فهذا البلد تفكك إلى كانتونات منفصلة عن بعضها البعض. وتعيش كل منها بموجب تسويات مؤقتة وضمانات لا يملك التحكم بكل مفاصلها. وهذه المحميات ستظل قادرة على التمرد حالما تسنح لها الفرصة أو يتوفر لها المبرر.
الوهم السابع أن عودة بعض السفارات العربية هي تعبير عن الاعتراف بأنه حقق انتصارا. الحقيقة هي أن عودة السفارات تمثل مسعى، لا يقبل الاشتباه، لبناء روابط مع سوريا المستقبل، ولإرساء الأسس لاستئناف عروبة تم دوسها تحت أقدام المشروع الفارسي.
الوهم الثامن أنه يستطيع أن يقف بجوار نظرائه من القادة العرب كقرين لهم. فجرائمه التي طالت الملايين من البشر، أكبر بكثير من أن تسمح له بأن يجلس بينهم على كرسي مريح، أو حتى أن يتحدث معهم بكلام يخرج عن أغشية الدبلوماسية الباردة.
الوهم التاسع أنه يستطيع أن يحكم على الأقل كانتونه الخاص. فهزيمته الفاضحة حيال شعبه سوف تحرك ضده وضد عصابته الكثير من الغضب الدفين. وما لم يحصل على ضمانات بلجوء سياسي في طهران أو موسكو، فإنه قد لا ينجو في ذلك الكانتون الذي لاقى هو نفسه من المرارات والأسى ما لاقته سوريا كلها. ومع انكشاف سجلات الوحشية التي ارتكبها نظامه، فإن هذا الكانتون سرعان ما سيكون أقرب إلى التبرؤ منه، لا القبول به، ولا حتى حمايته.
الوهم العاشر “سوريا الأسد” و”الأسد إلى الأبد”، شعاران لا يزالان يحتفظان بأي معنى. فآخر شيء يمكن للمجنون أن يتخيله، هو أن يقترن هذا البلد بشعارات بليدة كهذه. الناس لم تدفع دماءها من أجل أن تقع في حفرة تعود لتحتقر قدرتهم على الإنجاب.
بشار الأسد، وسط تلك البحيرة من الأوهام القاتلة، غير قادر على السباحة ضد ما صنعه بنفسه. وأقصى ما يمكن أن يطمح إليه، طائرة هليكوبتر تقله إلى مكان بعيد، لا يعرفه أحد.
علي الصراف/ العرب اللندنية