“تمخض الجبل فولد فأراً” وشعور بالشماتة
“تمخض الجبل فولد فأراً”. بهذا القول المأثور قد تعلّق الأطراف السياسية اللبنانية الحليفة لواشنطن والمعارضة لسلاح حزب الله، على خطاب وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في بيروت يوم الجمعة، على الرغم من مظاهر الحدة التي اتسم بها هذا الخطاب. في المقابل، سينتاب الأطراف الحليفة لطهران، والمؤيدة لسلاح الحزب، شعوراً بالشماتة حتى وإن كان ممزوجاً بإحساسٍ بعدم راحة البال والقلق.
بدم بارد
لما لا وقد ضمّن بومبيو بيانه
رسائل واضحة من شأنها أن تحوّل كلامه “الناري” إلى مجرد حبر على ورق، وأن
تخيّب بالتالي آمال حلفاء يتصرفون أحياناً بوصفهم “ملكاً أكثر من الملك”.
لما لا وقد حدد بومبيو بكل دقة المدى الذي تنوي وشنطن الوصول إليه في
مواجهتها مع إيران وحزب الله، والتي ستكون بطبيعة الحال، مزعجة نسبياً
لهما.
قول بومبيوإن”الأمين العام لـ(حزب الله) حسن نصرالله ترجّى مناصريه لتقديم التبرعات”، يعكس إدراك واشنطن بأن عقوباتها المالية على الحزب تؤدي إلى إرباكه ووضعه في حالةٍ من عدم اليقين. لكن تشديده على استمرار بلاده “في استخدام الأساليب السلمية لتضييق الخناق على (الحزب)”، فيعني ألا نيّة لدى واشنطن باللجوء إلى القوة ضده للقضاء عليه، بل اكتفاء بتصعيد يروم إلى محاولة إضعاف الحزب، لتغيير سلوكه ودفعه إلى تقديم تنازلات. وهذا السقف الأميركي المرسوم مسبقاً يفسر على الأرجح هدوء حزب الله ومواكبته بدم بارد لزيارة بومبيو إلى لبنان، كما يفسّر في المقابل امتعاضاً، قد لا يكون معلناً، من قبل من يأمل بدور أميركي أكثر حزماً وبطشاً، وأكثر جديةً.
“الشجاعة” أميركياً
صحيح أن التصعيد ذي
الأبعاد السياسية والاقتصادية يمكن أن يتحوّل يوماً ما إلى صراع مسلح، لكن
خطاب بومبيو تضمن مؤشرات إلى أن واشنطن لا تريد القتال بدلاً من
اللبنانيين، الذين طالبهم الوزير الأميركي بالتحلي بالشجاعة لمواجهة حزب
الله، بموازاة سياسة العقوبات المالية المفروضة عليه. وهذه الشجاعة تعني في
القاموس الأميركي دخول القوى السياسية الحليفة لواشنطن في صدام مع الحزب،
سبق أن اختبره اللبنانيون وذاقوا الأمرين من تداعياته على الأمن
والاستقرار. ومن السذاجة الاعتقاد بإمكانية تكرار تجربة وزيرة الخارجية
الأميركية السابقة، كوندوليزا رايس، التي زارت لبنان أثناء “حرب تموز
2006″، مبشرةً بقرب نهاية “حزب الله” وبداية عصر شرق أوسطي جديد. فالدروس
المستخلصة من تلك التجربة وغيرها من التجارب السابقة واللاحقة، تفيد بأنه
لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة التي لا تتردد في التخلي عن حلفائها
عندما تقتضي مصالحها ذلك. ناهيك عن أن “البراغماتية” التي تستطيع أن تتعامل
واشنطن على أساسها مع المسائل الدولية، قد تقودها مجدداً إلى الجلوس على
طاولة المفاوضات مع طهران للتوصل إلى تسوية معها، تشمل البرنامج النووي
والصواريخ البالستية وسياسة التوسع الإقليمي لإيران، من اليمن مروراً
بالعراق، وصولاً إلى سوريا ولبنان.
انتخابات 2022
يبقى السؤال في معرفة ماذا تعني هذه الشجاعة في القاموس اللبناني؟ هل يمكن أن تعني شيئاً آخر سوى الانخراط في مواجهة سياسية وإعلامية مدوزنة، بطريقة لا تعطّل عمل حكومة الوحدة الوطنية؟ وكلام بومبيو عن أن حزب الله “ممثل في البرلمان من خلال الترهيب المباشر للناخبين”، ألا يعني دعوة ضمنية موجهة إلى أطراف لبنانية في مناطق سيطرة الحزب، في الجنوب والبقاع خصوصاً، لكي تستعد للمعركة الانتخابية النيابية المقبلة، بدعم أميركي؟ طبعاً يمكن لواشنطن أن تراهن على الانتخابات التشريعية اللبنانية عام 2022، إذا صحّت الفرضية القائلة إن العقوبات المالية ستحدّ من قدرة حزب الله على الحفاظ على ولاء قسم من الناخبين. بيد أن حسابات الربح في رهان كهذا لا تبشّر بانتصارٍ فعلي. من الممكن أن يخسر الحزب عدداً من المقاعد. إلا أن شعبيته لن تتعرض لسقوطٍ مدوٍّ، لا سيما أن السياسة الأميركية ضده، والتي يتم تجسيدها بأسلوب استفزازي لجمهور حزب الله، كما تدل نبرة بومبيو في بيروت، ستؤدي إلى نتائج عكسية وستقدم للحزب ذريعة للتجييش ولرصّ الصفوف ضد “الهجمة” الأميركية الجديدة. لعل هذا ما يدركه كل من حزب الله وخصومه. فيشعر هو فقط بإرباك محدود وليس بخطر وجودي. أما هم، فلا حول ولا قوة…
المدن