فؤاد شهاب “شهيداً”… والخدعة رقم 26

فؤاد شهاب، الرجل الذي قادَ هذه الجمهوريّة وأنشأ مؤسساتها خلال حقبةٍ واحدة من التاريخ، “شهيداً” هذه المرّة. شهيدٌ لأنّ المستجدّين على هذه السلطة قتلوه، ويحاولون دفن روحه في كلّ مؤسسة دخلوها… هو “فزّع” الفاسدين في إدارته للدولة، وهم “فظّعوا” ويفظّعون منذ الفجر وحتّى النجر.
سلوك هؤلاء المستجدّين لم يعد سلوك سياسيّين… وحتّى الإقطاعيين في ذروة أيّامهم لم يصل بهم الحال إلى هذا القعر الأخلاقي. حتّى الدول التي احتلّت لبنان، وانتدبت أخرى للوصاية عليه، لم تتصرّف بهذا الجشع في ممارسة الحُكم وفرض النفوذ غصباً، فما كان يُعزّي الجميع أنّ الوصيّ كان وصياًّ علناً ولم يعد بالإصلاح وقيادة حملة لضبط الفاسدين بينما يُمعن في خداع الرأي العام وتمرير ما يُمكن تمريره بتذاكٍ وشطارة. والفرق، أيّ فرق بين الشاطر والفاسد عندما يغطّي الأوّل فظاعة الثاني؟
القليل الجيّد في هذه الجمهورية أنّه بقيَ مَن يرى ويُراقب ويقرأ بين السطور، ولو من دون مُحاسبة. لم يستغرق نشر جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء اليوم دقائق حتّى لوحظت الخديعة رقم ٢٦ بما أثارت من تساؤلات، من خلف الكواليس السياسية وصولاً إلى وسائل التواصل الإجتماعي، عندما حاولوا تمرير أكثر ١٤ رحلة لوزراء ووفود إلى الخارج ببضع كلمات لا تركّب جملةً مُقنعةً، ومفادها: “مشاركة في مؤتمرات واجتماعات في الخارج” بعدما خصّصوا صفحة لسفرات الوزراء والوفود في جداول سابقة تعدّى عدد بنودها المئة… وما أدراك مدى أهميّة هذه “الإجتماعات” و”المؤتمرات” الخارجية كي لا يتمّ ذكرها؟
هذا لا يُسمّى سوى سلوك مشبوه، ومتى فُتحت مكافحة الفساد على مصراعيها فتح وسائل الإعلام والإعلاميون الأعين أيضاً، حيث لا تمرّ أيّ “فزلكة”. أحد الشعارات المنطقيّة التي اتخذها الرئيس ميشال عون بهدف الإصلاح والتغيير “شطف الدرج بيبلّش من فوق”، فوق من قصر بعبدا حيث يترأس عون الجلسات… وحيث تضع شريحةٌ شعبية ثقتها بأنّه رجلٌ “لا يمرّر” أو الحريّ القول “لن يأخذوا توقيعه”… هذه الشعارات التي جعلت جمهوره ينتظر هذا الإستثناء حتى الآن.
هذا الإستثناء الذي كتبه التاريخ عن خيارات شهاب في اختيار وزرائه، حيث لمع أبرزهم فؤاد بطرس بصوابيّة رؤيته وشفافية عمله. ويستحضر هذه السطور عندما رفض الوزير موريس زوين عرض شهاب لتولّي حقيبة الهاتف على اعتبار أنها “ليست وزارة مهمة”، فأجابه الرئيس: “كيف تقول إنها غير مهمة وقد استغرقنا تحقيق اتصال بك أكثر من ٢٤ ساعة لأنّ هاتفك معطّل؟ من خلال هذه الوزارة يمكنك أن تصلّح خط منزلك وجميع خطوط الهاتف”.
عبرةٌ لمَن يُريد أن يُصلح… فالبداية من المنزل .

MTV