الكابوس المالي يتعاظم.. والحلول بالغة القسوة
أن يتزامن الحديث عن قرب انهيار مالي أو اقتصادي، مع زيارة
الوفد النيابي إلى واشنطن، فهذا ليس صدفة ولا تفصيلاً عابراً. السياسة في
لبنان اليوم هي عبارة عن سؤال المال، فتُنحّى جانباً كل الملفات الخلافية
القائمة على الانقسام السياسي التقليدي، وتتركّز الجهود على كيفية مواجهة
الأزمات المالية والاقتصادية، واتخاذ إجراءات سريعة من أجل الحصول على
المساعدات الدولية المقرّرة في مؤتمر سيدر، لصالح تنفيذ مشاريع في لبنان.
العقوبات الأميركية
الزيارة
التي يجريها الوفد للولايات المتحدة، والذي يضم النائبين ياسين جابر
وابراهيم كنعان ومستشار رئيس مجلس النواب علي حمدان، هي عبارة عن زيارة
روتينية سنوية، لكنها هذه المرّة أساسية ومفصلية، مع ترقّب الوضع المالي
والإجراءات الخارجية حيال الوضع اللبناني.
سيلتقي الوفد مسؤولين في صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومسؤولين آخرين في وزارة الخزانة الأميركية، خصوصاً أن لبنان مهدد بالمزيد من العقوبات على حزب الله وربما على حلفائه أيضاً. فقبل سنتين، تسرّبت معلومات تفيد أن واشنطن عازمة على فرض عقوبات على حلفاء حزب الله. وحينها، جرى تسريب أسماء لشخصيات محسوبة على الرئيس نبيه بري، وأخرى محسوبة على التيار الوطني الحرّ. تحرّكت هذه الشخصيات سريعاً تجاه واشنطن، من أجل توضيح نظرية الفصل ما بين العلاقة السياسية مع الحزب والعلاقة المالية، ونجح هؤلاء في تجنّب صدور عقوبات بحقهم.
اليوم، يتكرر السيناريو نفسه، مع حديث متنام عن احتمال وقوع
هزة اقتصادية أو مالية كبرى في البلاد. بالتأكيد، سيحاول الوفد التماس
الإجراءات الأميركية المرتقبة، ومحاولة تجنّبها، بالإضافة إلى البحث مع
المؤسسات النقدية والمالية الدولية في كيفية حماية لبنان من أي انهيار. لكن
الشروط الدولية واضحة في هذا المجال، ومبتدأها أن الحلّ بيد لبنان،
والمدخل هو اتخاذ الإجراءات الإصلاحية الأساسية.
استيراد المشتقات النفطية
يرتكز
الاقتصاد اللبناني على مثلث متساوي الأضلاع: مصرف لبنان، والقطاع المصرفي
الخاص، ومالية الدولة. هذه الأضلاع شكّلت الحصن الذي يحمي الاقتصاد
اللبناني. وهذه القطاعات مرتبطة ببعضها البعض عضوياً. ولذلك، إذا ما انكسر
أحد الأضلع، فسيتأثر تلقائياً الضلعان الآخران.
التدبير الذي أجراه الوزير علي حسن خليل، بمنع الإنفاق على
غير الرواتب، مثّل إنذاراً بأن أحد هذه الأضلاع متصدّع، وبحال لم تتم
معالجته، سيصاب الضلعان الآخرين. ولذلك، المطلوب هو اتخاذ تدابير سريعة
جداً، تتعلق بتخفيض الإنفاق على المحروقات، والعمل على إعادة إحياء
الاتفاقية مع الجزائر والكويت، التي تتيح للدولة الاستيراد المباشر للفيول
والنفط، ما يوفّر على الخزينة 500 مليون دولار سنوياً. فهي اتفاقية بشروط
مراعية وبأسعار تشجيعية، للحصول على الغاز من الجزائر والنفط من الكويت.
لكن وكما هو معلوم، لم يتم الإلتزام بهذه الاتفاقية بسبب أوليغارشية مالية
تابعة للمحاصصة السياسية الطائفية، كانت هي “تشتري” المشتقات النفطية
والغاز من السوق العالمي، ومن خارج هذه الاتفاقيات، لقاء أرباح وبدل سمسرات
خيالية.
رياض سلامة والإجراءات القاسية
بعد إجراءات
الوزير خليل، جاء الهجوم المركّز على حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، الذي
يختلف اللبنانيون في تفسير خلفياته. البعض يطلب من سلامة ترتيب هندسة مالية
جديدة، تجنّب لبنان الكارثة، وابتكار أساليب للإلتفاف على العقوبات أو
تأثيرتها، بالإضافة إلى توليف صيغة مع المصارف الخاصة، لإقراض الدولة
اللبنانية بفائدة صفر. في المقابل، يتحدث المسؤولون عن إجراءات قاسية، لكن
لا أحد يوضح ماهية هذه الإجراءات. والأكيد، حسب ما تشير مصادر متابعة، لا
يمكن توقع سياسة مالية تقتطع من الرواتب أو تخفض الإنفاق أو تطال سلسلة
الرتب والرواتب، إنما سيكون العمل على سلسلة تدابير تقشفية تتحايل على هذه
المدفوعات.
في السنة المقبلة أمام لبنان استحقاق عشرة مليارات دولار،
لتسديد خدمة الدين. وكل مدخول الدولة هو عبارة عن عشرة مليارات. عندها
ستكون خدمة الدين قد أصبحت مئة بالمئة من مدخول الدولة، الذي يتم صرفه
نظرياً كالآتي: حوالى 40 في المئة خدمة دين، و35 في المئة رواتب وأجور، و25
في المئة لتشغيل مؤسسات الدولة وإداراتها. لكن عندما يصبح الاستحقاق يساوي
عشرة مليارات، فلن يكون هناك إمكانية لتأمين المصاريف الأخرى. وهذه
المشكلة الكبرى التي يتم العمل عليها منذ فترة.
ثلاثة حلول صعبة
لمواجهة
هذه المشاكل هناك ثلاثة حلول، إما رفع نسبة الضريبة على القيمة المضافة ما
بين 4 و 5 في المئة، أو تحرير سعر الدولار، بمعنى عدم تثبيت سعر الليرة.
وعندها قد يرتفع سعر الدولار إلى ثلاثة آلاف ليرة، ما سيؤدي إلى أزمة كبرى،
خصوصاً مع احتمال فقدان السيطرة والقدرة على ضبط سعر الليرة أو التحكم
فيه، وسيفضي ذلك إلى سحب الودائع بالليرة اللبنانية. أما الحلّ الثالث
فيتركز على إقراض الدولة ما بين 5 مليارات و7 مليارات دولار من المصارف
بفائدة صفر. وهكذا يتم تقليص خدمة الدين بنسبة 50 بالمئة، بالإضافة إلى
إجراءات تقشفية في بعض الإدارات والمؤسسات، كتخفيض عجز الكهرباء، والأبواب
الإنفاق الأخرى.
هناك إجراءات إضافية، كاستمرار وقف الصرف إلا في باب الرواتب، والضرورات الأساسية لاستمرار عمل الإدارة، والالتفات إلى ملف الأملاك البحرية، والعودة إلى حقوق الدولة المهدورة فيه، عبر تخمين الأراضي البحرية، وتشكيل هيئة خاصة بالتعاون بين وزارتي المالية والأشغال، لتحصيل الأموال من كل شاغلي الأملاك البحرية. وهذه قابلة لأن توفر حوالى 300 مليون دولار. وهناك أيضاً خطوات تتعلق بإعادة جدولة الضرائب، بغية تحصيل المزيد من الجبايات، التي ستكون قادرة على توفير مليار دولار. وهذه الخطة من المفترض أن تنفذ في فترة قصيرة، أقصاها ستة أشهر، بالتوازي مع تخفيض منسوب الهدر والفساد.
منير الربيع / المدن