قرار أميركي بمحاصرة إيران إلى حدّ الخنق، وحزب الله “لترشيد الانفاق”
القرار الأميركي بتصفير الصادرات النفطية الإيرانية، وعدم تجديد الإعفاءات لبعض الدول المستوردة للنفط الإيراني، من شأنه أن يسرّع التوتر في منطقة الشرق الأوسط. اتخذ الأميركيون قراراً واضحاً بمحاصرة إيران، إلى حدّ الخنق. وهذا من شأنه أن يقود إلى خيار من إثنين. إما الاتجاه إلى صدام كبير في المنطقة، أو الذهاب نحو تسوية كبرى. وأي مواجهة سياسية أو عسكرية، لن تكون إلا بهدف تحسين شروط التفاوض لدى كل طرف، استباقاً للجلوس على طاولة المفاوضات.
رد حزب الله
بالتزامن مع كلام وزير الخارجية
الأميركي، مايك بومبيو، عن استمرار محاصرة إيران، اتخذت وزارتا الخارجية
والخزانة الأميركيتان قراراً جديداً بشأن حزب الله، عبر عرض مكافآت مالية
لمن يقدّم معلومات وافية عن شخصيات ممِّولة للحزب. كما ينص الموقف الجديد
على تأكيد أميركي متجدد بالسعي إلى تجفيف منابع تمويل حزب الله، ووقف
أنشطته في المنطقة.
وفيما استبعد الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، وقوع أي مواجهة عسكرية في المرحلة المقبلة، معتبراً أن إسرائيل غير جاهزة للدخول في معركة عسكرية، إلا أن حزب الله يعتبر الخطوات الأميركية الأخيرة تندرج في سياق الحرب المفتوحة، والتي تتخذ أشكالاً متعددة. ويرى الحزب أن اللجوء إلى هذه الخيارات التصعيدية، يأتي بسبب العجز الأميركي عن تحقيق الانتصار المنشود في الحرب الحقيقية، خصوصاً في سوريا والعراق. وبالتالي، يتم اللجوء الى هذا الشكل الجديد من الحرب، عبر العقوبات. ويؤكد الحزب أن لا تأثير لهذه العقوبات على موقفه السياسي إطلاقاً. ولن يكون لها تأثير على وضع المقاومة. فالأزمة لم تؤثر على دور المقاومة في سوريا، ولا على دور الحزب في لبنان، أو مؤسسات الحزب، والرواتب لم ولن تتأثر قيد أنملة.
لا ينفي حزب الله قيامه بإجراءات وقائية، للتعامل مع هذه
العقوبات، منعاً لأي تأثر بها. وحسب ما تكشف مصادر متابعة، فإن الحزب عمل
على وضع خطط مالية عديدة، لإعدام فعالية هذه العقوبات، كالقيام بترشيد
الإنفاق، على نحو يبقى الحزب قادراً على القيام بوظائفه المطلوبة، مع
الاعتراف أن هذه العقوبات أثرت على ما هو “فائض في الإنفاق”.
رد إيران
استبعاد
المواجهة العسكرية المباشرة، ينجم عن كلام بومبيو نفسه، الذي كان واضحاً
بما يتعلّق بأهداف الضغوط. وهي جرّ إيران إلى طاولة المفاوضات “من دون
مخالب أو أنياب”. الأمر الذي ترفضه إيران بشكل قاطع، كما رفضته سابقاً،
أيام إدارة باراك أوباما وتولي وزير الخارجية حينها جون كيري التفاوض في
الملف النووي الإيراني. ما تريده واشنطن هو التفاوض على دور ايران الإقليمي
والبرنامج النووي والصواريخ البالستية. لكن، في حال قررت ايران التفاوض،
فهي ستخوضه على قاعدة التكافؤ وليس من موقع الضعف.
الأكيد أن طهران لن تسكت على كل هذه الضغوط التي تتعرض لها.
ولا بد من انتظار نوع الردّ الذي ستقوم به على عملية الخنق المستمرة. فحتى
الآن، تستند إيران على مواقف دول عديدة ترفض القرارات الأميركية، كالصين
وتركيا، وربما روسيا لاحقاً. وهذه الدول قد تشكل متنفساً للاقتصاد
الإيراني. إلا أن ذلك لا ينفي احتمال لجوء طهران إلى الردّ بطريقة أو
بأخرى. وهي لم تتأخر عن التهديد باحتمال إغلاق مضيق هرمز، الذي استبق
الأميركيون أي موقف بشأنه، معتبرين أن ذلك سيكون له تبعات على إيران.
الاحتمالات العسكرية ولبنان
حسب
ما تكشف بعض المعطيات، فإن إيران تتحضر للرد على هذه الضغوط، من خلال
عملية عسكرية، وقد تكون بحرية هذه المرّة، وربما تستهدف إحدى حافلات النفط.
وبينما لا يريد الأميركيون والإسرائيليون الدخول في أي مواجهة عسكرية،
والتركيز على مبدأ الخنق الاقتصادي، الذي لا يكلّفهما أي خسائر، فإن أي
تطور عسكري لا بد له أن يقابله رد مماثل. وهنا، تفيد بعض المؤشرات أن
الأميركيين والإسرائيليين قد يدفعون بعض الدول العربية والخليجية لخوض هذه
المواجهة ضد إيران، أو حزب الله في سوريا، عبر إنشاء تحالف عسكري، تكون
واشنطن شريكة فيه، يعتمد ميدانياً على قوات عربية. إلا أن هذه التجربة لا
تنذر باحتمالات النجاح، خصوصاً بعد تعثر انشاء “ناتو” عربي إثر انسحاب مصر
منه.
أي تطور ميداني سيحدث على الساحة السورية، وقد يؤدي إلى تغيير قواعد الإشتباك، سينعكس بشكل أو بآخر على الوضع اللبناني، ولن يكون بمنأى عنه، تماماً كما سيكون حال لبنان في التعامل مع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران وحزب الله، والتي ستفرض رقابة دولية أوسع على أي حركة مالية أو تجارية في لبنان.
تراهن إيران، حتى الآن، على فتح ثغرة تفاوضية في جدار الأزمة. تعتمد بشكل أو بآخر على دور لسلطنة عُمان، التي وقّعت قبل فترة اتفاقاً مع الولايات المتحدة الأميركية لاستخدام بعض المرافئ والموانئ المشرفة على مضيق هرمز، وفي الوقت نفسه وقّعت قبل أيام اتفاقية دفاع عسكرية مع إيران. وبالعودة إلى زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى عمان قبل أشهر، واللقاء الذي عقد بين وزير خارجية عُمان ومسؤولين إيرانيين لاحقاً، لا بد أن يقود كل هذا إلى مفاوضات بمستوى معين، فإذا ما فُتح باب التفاوض ونجح.. يكون قد أُقفل باب المواجهة، أما بحال عدم الوصول إلى نتيجة، فإن صداماً عنيفاً سيقع.
المدن