علاقة حزب الله والنظام السوري،مع جنبلاط دخلت مرحلة من التوتر العالي
أخذ السجال بين رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” النائب السابق وليد جنبلاط وبين خصومه من حلفاء “حزب الله” والقيادة السورية على خلفية قوله أن مزارع شبعا ليست لبنانية، وأن (الرئيس السوري) بشار الأسد “أكبر كذاب في العالم” كاشفا أن ديبلوماسيا روسيا أبلغه أن الأسد بعث رسالة إلى إسرائيل عن أن قيام دولة علوية في سورية لن يكون معاديا لها، أبعادا سياسية جديدة في اليومين الماضيين، ما حمل أوساطا سياسية عدة على التأكيد ل”الحياة” أن العلاقة بين “حزب الله” ومعه النظام السوري، وبين رئيس “الاشتراكي” دخلت مرحلة من التوتر العالي.
ورأت الأوساط السياسية المراقبة لتصاعد التوتر بين الجانبين أن عوامل كثيرة اختلطت مع بعضها البعض لتسبب تصعيدا في هذا التصاعد، المعطوف على الخلاف بينه وبين الحزب حول إلغاء وزير الصناعة وائل أبو فاعور ترخيص سلفه حسين الحاج حسن (حزب الله) لشركة “إسمنت الأرز” العائدة إلى آل فتوش (النائب السابق نقولا فتوش وأشقائه المقربين من القيادة السورية. فالحزب اتخذ قرارا بالقطيعة مع جنبلاط إثر قرار أبو فاعور، معتبرا أنه “إهانة” مباشرة له، بعد أشهر من التوتر الخفي بين الجانبين تدرج وتفاقم منذ الانتخابات النيابية في أيار (مايو) الماضي، قبل زهاء سنة، حيث دعمت قيادة الحزب خصوم جنبلاط، وأمنت الرعاية والحماية لهم في الجبل والبقاع الغربي، وصولا إلى تهريب مطلوبين للقضاء نتيجة اعتدائهم على مناصري الاشتراكي إلى سورية، والتدخل لدى القضاء من أجل الإفراج عن آخرين قاموا بعراضات مسلحة ضد مناصري جنبلاط والعمل على تكتل هؤلاء الخصوم للقيام بحملات على جنبلاط…
وتعاطت الأوساط القيادية في “الاشتراكي” مع حكم مجلس شورى الدولة قبل 3 أيام، بإبطال قرار الوزير أبوفاعور إلغاء ترخيص آل فتوش، على أنه جاء نتيجة ضغوط على القضاء، ويراكم المؤشرات إلى أن هناك توجها لكسر جنبلاط. فالحزب أبدى انزعاجه من مواقفه الانتقادية ضد الأسد واتهامه بارتكاب بقتل السوريين، فيما لم تخلُ تغريداته على “تويتر” من الملاحظات اللاذعة إزاء “محور الممانعة”، مستعيضا بها عن انتقاد القيادة الإيرانية بعدما طالبته قيادة “حزب الله” بتجنب التعرض لها. وترى مصادر متابعة لمواقف جنبلاط أن انتقاداته هذه كانت تتزايد بموازاة الحملة على حزبه من رموز النظام السوري في مناطق الجبل، ومقابل إمعان “حزب الله” في التدخل في الساحة الدرزية لتشكيل تكتل من معارضيه في مواجهته. وهو ما اعتبره مناصرو جنبلاط توجها قياديا لدى الحزب يهدف إلى إضعاف “الاشتراكي” عبر أدوات تتحرك في الجبل تحت مظلة نفوذه الأمني والسياسي.
وتعاملت الأوساط المتتبعة لمسار التوترات بين جنبلاط و”حزب الله” وحلفائه مع موقفه من موضوع مزارع شبعا، واعتباره أنها ليست لبنانية، على أنه في سياق المواجة الكامنة بين الجانبين نتيجة تراكمات الأشهر الماضية، بعد أن فشلت الاتصالات من أجل ترطيب الأجواء بين الجانبين بعد إلغاء ترخيص مصنع آل فتوش، الذي يقع في منطقة جبلية تخضع للنفوذ الجنبلاطي.
الملكية والسيادة والخرائط
وبالعودة إلى السجال حول لبنانية مزارع شبعا التي تشكل حجة رئيسة ل”حزب الله” تبرر بقاء سلاح المقاومة لتحرير الأرض، فقد استعان جنبلاط أمس ردا على الحملة ضده بالتخلي عن أرض محتلة، بما نص عليه قرار “هيئة الحوار الوطني” في شأن العمل على تحريرها. وقال عبر”تويتر”: “قبل هذا السيل من الاتهامات والتهجمات أذكر بالتالي. بعد التحرير عام 2000 كان لي نفس الموقف عندما طالبت بإعادة التموضع للجيش السوري. آنذاك جرى التخوين واليوم أيضا. قد تكون هناك أراض يملكها لبنانيون في مزارع شبعا وكفرشوبا وغيرها لكن الملكية شيء والسيادة شيء آخر بعد أن حرّفت الخرائط”.
اضاف: “واثناء الحوار الذي دعا اليه الرئيس (نبيه) بري عام 2006 جرى الاتفاق بالاجماع على المحكمة الدولية أولا، ثم ترسيم أو تحديد الحدود ومعالجة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات والعلاقات الديبلوماسية مع سورية. وفي ما يتعلق بمزارع شبعا أجمعنا آنذاك على اتخاذ كل الإجراءات لتثبيت لبنانيتها من خلال التحديد وفق الاجراءات والاصول المعتمدة والمقبولة لدى الأمم المتحدة، الأمر الذي لم يجر، كما أن الحكومة السورية رفضت إعطاء لبنان الأوراق الثبوتية حول لبنانية المزارع فكان أن بقيت السيادة مبهمة حتى هذه اللحظة لكن ربحنا سفارة. إنها النظرية القديمة الجديدة بتلازم المسارات”.
وسأل جنبلاط: “هل هذا التذكير التاريخي كاف أم أنه ممنوع التفكير والتذكير؟. على أية حال خذوا راحتكم بالتخوين والتحليل. سنكمل المسيرة بهدوء ونترك لكم منابر القدح والذم والسلام عليكم”.
وكان ملفتا، حسب قول مصدر سياسي بارز ل”الحياة”، أن جنبلاط شبه المرحلة الراهنة بمرحلة مطالبته بإعادة تموضع الجيش السوري في لبنان، عام 2000 ، من جهة، واستشهاده بعبارة “أجمعنا في قرارات هيئة الحوار) على اتخاذ كل الإجراءات لتثبيت لبنانية مزارع شبعا من خلال التحديد وفق الاجراءات والاصول المعتمدة والمقبولة لدى الأمم المتحدة، الأمر الذي لم يجر”. والعبارة مستقاة من النص الحرفي الذي أذاعه الرئيس بري في أيار (مايو) عام 2006 . وضيف مصادر في “الاشتراكي” ل”الحياة” إن إشارة جنبلاط في حديثه لمحطة “روسيا اليوم”، إلى حصول تزوير في الخرائط من الجانب اللبناني، استند إلى ما أبلغته الأمم المتحدة في حينها عن أن هذه الخرائط التي التي تسمتها من لبنان لبنانية المزارع، جرى التلاعب به، وأن الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، الراحل كوفي أنان ذكر بكتابه عن توليه منصب الأمين العان واقعة تزوير الخرائط، وأنه بعث برسالة بهذا المعنى إلى رئيس الجمهورية إميل لحود وأحد الضباط المعنيين، بذلك، رافضا الأخذ بهذه الخرائط.
وبينما رأى المصدر ل”الحياة” أن جنبلاط سعى إلى توضيح موقفه، لأن لبنان لم يحصل على الوثيقة التي كان أقطاب السياسة اللبنانية اتفقوا على ضرورتها “لتثبيت” هوية المزارع من الجانب السوري، وأنها ليست لبنانية بالنسبة إلى المنظمة الدولية، خصوصا أنها موضوعة تحت مراقبة لجنة الأمم المتحدة لمراقبة اتفاق خط وقف الاشتباك (أندوف) وليست ملحقة بالقرار 425 الذي ينص على الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبناية المحتلة، ووافقت الحكومة اللبنانية في حينها على أن هذا القرار جرى تطبيقه، بينما “أندوف” تعنى بخطوط الحدود بين سورية وإسرائيل في إطار القرار الرقم 242 و338 .
استمرار السجال
وغرد عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب بلال عبدالله عبر تويتر قائلا: “إنها جوقة الشتامين والمرتهنين العاملين وفق أجندة أسيادهم، وحبذا لو حاولوا ولو لمرة الاستحصال من سيدهم على وثيقة رسمية تؤكد هوية أراضي مزارع شبعا، لتقديمها إلى المراجع الدولية المختصة. من يتأمر على لبنان يا سادة يا ممانعي الكلام هو من فتح قنوات تنسيق مع الصهاينة وسلم رفاة العملاء، مستوى سجالاتكم ومناظراتكم يعكس عمق ثقافتكم وادبياتكم، ولا يناسبنا أن ننزلق لهكذا خطاب سوقي”.
وأيد النائب السابق الدكتور فارس سعيد جنبلاط قائلاً: “في لحظات، يبدو كلام وليد جنبلاط بمثابة موسيقى Beethoven إلى أذني”.
أضاف: “وفي السياسة مكان للمكاسب والبراغماتية والواقعية والمصالح أكيد، ولكن عندما تفقد الحلم والمبادئ تصبح عقيمة.
تحيّة لك وليد جنبلاط، أنت تدخل إلى المشهد اللبناني البشع لونٌ يميّزك عن الآخرين ونحن نحبّك”.
زاسبكين…
وعلق السفير الروسي لدى لبنان ألكسندر زاسبيكين، على قول جنبلاط “إن الرئيس بشار الأسد بعث برسالة إلى رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “نقلا عن ديبلوماسي روسي”، مؤكدا في تصريح أن “روسيا منذ بداية الأزمة السورية تعتبر الرئيس بشار الأسد هو زعيم الشعب السوري بكل فئاته، وهذا الموقف معلن في الإعلام وفي الاتصالات الجانبية لروسيا مع الدول الأخرى”، نافيا علمه “بأي معلومات وصلت إلى جنبلاط من أي ديبلوماسي روسي”.
وفي الردود ايضا اعتبر عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب قاسم هاشم أن “المصلحة الوطنية والالتزام الوطني يستدعيان إبعاد قضية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا عن اي بزار سياسي او ابتزاز أو سجال، لأن المطلوب في ظل السياسة الاسرائيلية الأميركية المتماهية، والتي تستهدف هوية المنطقة العربية وخصوصا الأراضي المحتلة من فلسطين الى الجولان ولبنان، أن تتحمل كل القوى السياسية مسؤولية وطنية كي لا تختلط بعض المواقف بثوابت وهوية ارضنا المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا”.
وأكد عضو الكتلة ذاتها النائب علي خريس أن “الوحدة الوطنية أفضل وجوه الحرب مع العدو الإسرائيلي، وإسرائيل ما زالت تحتل جزءاً من أرضنا في تلال كفرشوبا ومزارع شبعا، وبالتالي فإننا نقول لمن يتحدث عن هذا الموضوع، إن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا هي أراضٍ لبنانية، وتحرير هذه المنطقة مرهون بمقاومتنا وشعبنا وجيشنا، ونقطة على السطر”.