غرفة عمليات طهران – الضاحية: طبول الحرب لا نيرانها
يوم أعلن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتصفير الصادرات النفطية الإيرانية، بموجب العقوبات.. كان لا بد من توقّع اشتداد الضغوط، واكتمال ظروف التصعيد وأسبابه في منطقة الشرق الأوسط، بين إيران والولايات المتحدة الأميركية. وكان ذلك قبل إرسال واشنطن لحاملات طائراتها وقاذفاتها إلى المنطقة. ومن الواضح، وفق تأكيدات المسؤولين في البلدين، أن لا أحد يريد الذهاب إلى حرب، إنما الهدف هو إجبار إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات حول الملف النووي والصواريخ البالستية، ودور إيران في المنطقة.
عملية الفجيرة
في الردّ على قرار تصفير الصادرات الإيرانية، كتبت “المدن” في الثالث والعشرين من شهر نيسان الفائت، عن خيارات الردّ الإيرانية على هذه الإجراءات، تحت عنوان: “إيران وحزب الله وأميركا: سباق التفاوض والصدام العنيف”. ويشير الموضوع في صلبه، أن غاية التصعيد تهدف إلى الجلوس على طاولة المفاوضات. وهنا لا بد من اقتباس إحدى جمل الموضوع والتي تقول: “إيران تتحضر للرد على هذه الضغوط، من خلال عملية عسكرية، وقد تكون بحرية هذه المرّة، وربما تستهدف إحدى ناقلات النفط. وبينما لا يريد الأميركيون والإسرائيليون الدخول في أي مواجهة عسكرية، والتركيز على مبدأ الخنق الاقتصادي، الذي لا يكلّفهما أي خسائر، فإن أي تطور عسكري لا بد له أن يقابله رد مماثل”.
قبل يومين حدثت عملية لا تزال “ملتبسة”، بالقرب من ميناء
الفجيرة. عملية تخريبية استهدفت ناقلات للنفط، وتبين أن إثنين منها تعودان
للمملكة العربية السعودية. ما يعني أن إيران لا تريد الدخول في مواجهة
مباشرة مع واشنطن، بل تستهدف حلفاءها، وخصوصاً المتشددين ضد النظام
الإيراني. ولعلّ تلك العملية، والتي لم يتبناها أحد، ولا تزال تفاصيلها
غامضة، لها غاية أساسية هي تهديد الأمن الخليجي، في محاولة للضغط على دول
الخليج للتوسط لدى الأميركيين، لتخفيف الضغوط والذهاب إلى مفاوضات، وبما
معناه أن أي انعكاسات لحالة التصعيد المستمرة ضد طهران، قد تؤدي إلى إشتعال
منطقة الخليج.
الداخل الإيراني وحزب الله
في مواجهة
الضغوط المستمرّة، تتحدث بعض المعلومات من داخل إيران عن أن الوضع الداخلي
جيد، وتلفت المعلومات إلى أن هذه الضغوط أدت إلى تخفيف الحساسيات
والتباينات الداخلية. وهناك مؤشرات على التماسك الداخلي. وأي رهان على
زعزعة الوضع الداخلي أو تغييره ليس في محلّه، ولا يمكن الرهان على ضرب
إيران من الداخل، لأن هناك توافقاً بين مختلف المكونات الإيرانية على
الصمود. وكذلك بالنسبة إلى الوضع الاقتصادي. فلا يمكن الحديث عن أزمة مواد
غذائية، والاحتياجات الأساسية يتم تأمينها.
أما على صعيد التصعيد العسكري، فيشير الإيرانيون إلى جهوزيتهم
لأي معركة قد تندلع، مع تأكيد رفض الذهاب إلى المفاوضات تحت الضغط. وتؤكد
المصادر الإيرانية أن طهران لن تذهب إلى المفاوضات في ظل بقاء العقوبات، بل
بعد إلغائها. ولذا هي تطالب واشنطن بإجراء إيجابي لتبدأ المفاوضات. وتؤكد
المعلومات أن هناك تنسيقاً كاملاً بين إيران وحلفائها في الإقليم، من أجل
إشعال المنطقة بأكملها إن اقتضى الأمر. وغرفة العمليات التي أنشئت أول أيام
الحرب السورية، تعقد اجتماعاتها الدائمة والمفتوحة، لترقب حصول أي تصعيد
محتمل. لكن هذا لا يعني أن الحرب على الأبواب، ولكن يبقى التحسب سيد
الموقف. والأمر نفسه ينطبق على حزب الله، الذي يشير إلى جهوزيته الكاملة
لوجستياً وعسكرياً، والاستعدادت قائمة لأي مواجهة قد تحصل.
قواعد الاشتباك
منذ
فترة يعمل حزب الله على تحضير الجبهة العسكرية تحسباً لحصول عدوان
إسرائيلي، أو تصاعد للعمليات العسكرية. الردّ سيكون جاهزاً وفوراً. وتؤكد
المعلومات أن حزب الله لن يذهب إلى افتعال حرب أو شن عمليات لانه لا يريد
الحرب. وما ينطبق على الحدود الجنوبية للبنان ينطبق على الوضع في سوريا. إذ
يتحضر الحزب لأي احتمالات. وتم إعلان حالة الضوء الأصفر مع احتمال حصول أي
تفجير واسع. هناك تحضير خطط الإخلاء، وتجهيز المراكز والمواقع. لكن يحرص
حزب الله على عدم إثارة مناخ وكأن الحرب واقعة غداً، كي لا يتم تخويف الناس
وإثارة التوتر. يمكن وصف الوضع على أنه حال من الترقب والجهوزية الكاملة.
في النهاية، لا بد من الذهاب إلى مفاوضات. لكن لا يبدو أن أياً من الطرفين قابل للتراجع عن شروطه. وبالتالي، فإن هذه المفاوضات يجب أن تنطلق بعد فعل عمل عسكري محدد لا يؤدي إلى اشتعال الجبهات كلها، بل يفضي إلى مباشرة المفاوضات وحسب.
هناك من يعتبر أن أي شرارة قد تطلق، ستؤدي إلى إندلاع معركة مفتوحة تختلف عن كل الحروب السابقة، لأنها ستكون “الحرب الحاسمة”، والتي سيسعى كل طرف فيها إلى تغيير المعادلات بأكملها. إلا أن هكذا خيار مستبعد لشدة مخاطره، مقابل إمكانية وقوع مواجهة متقطعة، على قاعدة ضربة موضعية مقابل ضربة موضعية. وهذا الخيار للطرفين المنضبط بقواعد اشتباك هو الذي يمهد أرضية المفاوضات. وتتوقع إيران أن تبقى الأوضاع على حالها من الاستنفار إلى سنة ونصف السنة، أي إلى حين تبيّن وجهة الانتخابات الأميركية ونتائجها.
يراهن الإيرانيون على تحريك العديد من حلفائهم في المنطقة، لا سيما منهم الحوثيين لتوجيه ضربات للسعودية والإمارات، لعلّها تدفع الدولتين إلى الطلب من الأميركيين، وإقناعهم بكبح مسار التصعيد، وتسهيل شروط التفاوض. فأي حرب ستكون تداعياتها على دول الخليج عسكرياً وسياسياً وأمنياً واقتصادياً هائلة الكلفة. لا أحد اتهم إيران بالوقوف خلف عملية الفجيرة، وهي بدورها لا تتبناها، لأنها تلقّت تهديدات أميركية سابقة، بتعرضها لردود قاسية إذا ما قامت بأي عملية من هذا النوع. وهذا أسلوب اعتمدته إيران سابقاً في العراق، وربما هو قابل لاعتماده في المرحلة المقبلة على أكثر من جبهة، إذا ما اقتضى الأمر.
منير الربيع / المدن