لبنان ساحة تفاوض أميركية إيرانية: عقوبات على أسماء جديدة
لا تلقى طبول الحرب، التي تقرع في المنطقة، أي صدى لها في
لبنان. كان لبنان يتلقى تلك الأصداء بل ويردد بعضها قبل سنوات، مع اشتعال
الحرب السورية، وكذلك عند تكريس معادلة “ضربة مقابل ضربة” مع العدو
الإسرائيلي… تماماً كما حدث بعد اغتيال اسرائيل لجهاد مغنية، فردّ الحزب
بعملية في مزارع شبعا.
تجنب الحرب
بعد تكريس تلك
المعادلة، التي أعلن عنها أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، بوصفها
سياسة معتمدة أساسها الردّ المناسب في حال تعرّض الحزب أو إيران إلى خسائر
بشرية مباشرة. أي إن كل عملية اغتيال ستقابلها عملية اغتيال مضادة. أما في
حال بقاء العمليات في إطار الغارات على مواقع يتبلغ بها الإيرانيون قبل
حدوثها، فيعملون على إخلائها وتركها فارغة، فهذا لا يستدعي أي ردّ.
بموجب تلك المعادلة المكرسة، والتداعيات العسكرية في سوريا
والسياسية في لبنان، خرجت إيران معلنة تحقيق انتصارها في المنطقة. كما
أعلنت سيطرتها على أربع عواصم عربية هي بغداد، دمشق، بيروت وصنعاء. معادلة
الانتصار التي رفعتها طهران، لن تجازف بها عبر إعادة إشعال جبهاتها، كي لا
تفتح باب احتمال الخسارة. وربما هذا أحد ابرز الأسباب التي تدفع المسؤولين
الإيرانيين أو حلفائهم إلى نفي احتمال وقوع حرب في لبنان مثلاً، خصوصاً أن
طهران لا تزال تلتزم بمبدأ تجنب الانزلاق إلى حرب مباشرة مع إسرائيل
وأميركا.
ساحة تفاوض لا احتراب
لهذا السبب بالتحديد، لم
تصل أصداء طبول الحرب إلى لبنان، بالإضافة إلى سبب آخر أن كل الأطراف
الإقليمية والدولية تريد من لبنان (حتى الآن) أن يكون ساحة “تجاذب” أو
“تفاوض” مع الاميركيين لا ساحة اقتتال. فزمن استخدام لبنان من قبل إيران
كصندوق بريد لرسائل عسكرية قد ولّى. تخطّت إيران تلك المعادلة بعد تحقيقها
الانتصار فيه. فالحروب التي كانت تخاض في لبنان أو انطلاقاً منه، كانت في
حقبة التنافس غير المحسوم بين “الغرب” (وإسرائيل) من جهة، وإيران (وسوريا
وحزب الله) من جهة ثانية، وكان هذا التنافس مترجماً أيضاً بالصراع الداخلي
بين القوى السياسية اللبنانية. وهذا ما انعدم اليوم، واستتب الأمر والسيطرة
لصالح حزب الله، الذي يحرص ويهتم بحماية هذا المكتسب الاستراتيجي، وعدم
إضاعته بأي “مغامرة” حربية غير محسومة النتيجة.
هذا ما يوجّه الأنظار نحو التطورات الراهنة في منطقة الخليج.
إذ تعتبر طهران أنها حققت ما تريده حتى الآن في كل من سوريا العراق ولبنان،
وبقيت المعركة الأساسية مفتوحة في اليمن. ولذا، فحلبة الملاكمة وتبادل
الضربات هناك، في بحر الخليج.
الحرب النفسية والإعلامية
لكن،
وعلى الرغم من كل ذلك، لا يبدو أن لبنان سيكون بعيداً عن التداعيات
السياسية للمعركة المفتوحة، خصوصاً في ضوء الإجراءات الاميركية ضد حزب
الله، سواء في العقوبات أو غيرها. والاهتمام الأميركي بالشأن اللبناني هذه
الأيام واضح، على أكثر من مستوى، سواء عبر استمرار الدعم للجيش والأجهزة
الأمنية، أو عبر تولي الوساطة لترسيم الحدود البرية والبحرية مع إسرائيل،
أو عبر الزيارات المتكررة للمسؤولين الأميركيين، الذين يبدون اهتمامهم
بالحفاظ على الاستقرار في لبنان، تماشياً مع تشييد الأميركيين لسفارتهم
الضخمة على الساحل اللبناني، والتي تؤشر إلى البعد الاستراتيجي الذي يوليه
الأميركيون لتواجدهم وحضورهم في البلد. كما لا يمكن إغفال جانب أساسي في
جدول الأعمال الأميركي محلياً، وهو حماية حدود إسرائيل من صواريخ حزب الله.
وهذا ما يسعى الاميركيون إليه عبر ضغطهم المركّز على الحزب وإيران، لتحقيق
أهدافهم بلا أي معركة عسكرية.
ولا تخرج لغة التهديد والحرب النفسية والإعلامية عن سياق
الضغط المستمر على حزب الله، وآخرها بث المقطع المصور، الذي نشره “فريق
التواصل الإلكتروني” التابع للخارجية الأميركية عبر “تويتر”، عن أن فيلق
القدس التابع للحرس الثوري يدرب ويسلح ويجهز ميليشيات تابعة له في معسكرات
تدريب في لبنان وفي البقاع تحديداً. فاللافت أن نشر هذا الفيديو يأتي
بالتزامن مع زيارة قائد الجيش جوزيف عون إلى واشنطن ولقائه المسؤولين هناك،
حيث تركزت مباحثاته على استمرار الدعم العسكري الأميركي للجيش اللبناني،
وتعزيز دوره، كي يصبح هو صاحب القوة العسكرية الوحيدة في لبنان، بالإضافة
إلى كلام أميركي عن عدم التساهل مع سطوة حزب الله في لبنان، والذي تراه
واشنطن كأقوى ذراع لإيران في المنطقة.
العقوبات: لائحة أسماء جديدة
بموازاة
زيارة قائد الجيش إلى الولايات المتحدة، كان وفد من جمعية المصارف قد زار
العاصمة الأميركية والتقى مسؤولين في وزارة الخزانة، حيث سمعوا تشدداً
أميركياً، لجهة تطبيق العقوبات على حزب الله وبعض المرتبطين به، مع تحذيرات
لجمعية المصارف بوجوب التقيد بالإجراءات الأميركية لتنفيذ هذه العقوبات،
من دون أي مناورات التفافية على العقوبات. وحسب ما تتحدث بعض المعلومات من
واشنطن، فإن لائحة جديدة تضم بعض الأسماء، تستعد الخزانة الاميركية
لإدراجها على لائحة العقوبات، بينهم شخصيات بارزة. وتكشف المعلومات أن
شخصية حاولت زيارة واشنطن لـ”ترتيب” وضعها وتجنب إدراج إسمها على تلك
اللائحة، من دون معرفة إذا ما كانت نجحت في مسعاها حتى الآن.
مخاطر “حافة الهاوية”
ويظهر
الاهتمام الأميركي بالوضع اللبناني مع استمرار زيارة نائب مساعد وزير
الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد إلى لبنان، ولقائه مختلف
المسؤولين، للبحث بعملية ترسيم الحدود البرية والبحرية. وتشير المصادر إلى
أنّ الجانب اللبناني قدم لساترفيلد عددًا من المخارج التي تحفظ للبنان كامل
حقوقه البرية والبحرية، وتحقق مصلحته الوطنية. ومن بين النقاط التي جرى
تقديمها، هي أن يستثمر لبنان بنسبة 60 بالمئة من المنطقة المتنازع عليها
في البحر، على أن يترك الجزء الباقي منها معلقاً، إلى حين ترسيم الحدود
البحرية رسمياً بين لبنان وإسرائيل.
أما على صعيد تطورات الوضع في المنطقة، فتلفت المصادر إلى أنها شكلت جزءاً من مباحثات ساترفيلد مع المسؤولين اللبنانيين، خصوصاً بعد التطورات التي وقعت في الخليج. وحسب ما تشير المصادر فإن ساترفيلد أبلغ المسؤولين اللبنانيين أن بلاده ليست مهتمة بالتصعيد مع إيران، وعلى الإيرانيين أن يفهموا بأن الولايات المتحدة ستتعامل بجدية مع أي تهديد. وينطبق هذا الكلام على بقاء الوضع على حاله، أو ضمن إطار الضربات الموضعية بين طهران وواشنطن، في حرب بالوكالة في الخليج.
تبقى الخطورة، في سياسة حافة الهاوية، أنها قابلة للسقوط والتغير إن وقع حادث غير محسوب، قد يؤدي إلى اشتعال حرب شاملة. وعندها بالتأكيد لن يكون لبنان بمنأى عن شظاياها ولهيبها.
المدن