الحريري العائد قوياً أميركياً.. بما يرضي حزب الله!
أصبح بالإمكان
التشبيه بين الوضعين اليمني حالياً واللبناني منذ ثلاث سنوات. وكل المؤشرات
في المنطقة، تدلّ بأن ما يحدث لم يكن مجرّد صدفة، ولا يخرج عن سياق يتم
رسمه بعناية. التسوية الرئاسية التي أنجزت قبل ثلاث سنوات، وأهدت انتصاراً
لحزب الله، لم يكن مجرّد تطور محلي على هامش أحداث المنطقة. فثمة ما يشبهها
يحصل في اليمن هذه الأيام، من خلال اللقاء الذي عقد بين سفراء دول أوروبية
مع الحوثيين في طهران. بمعنى أن المجتمع الدولي أصبح يفاوض الحوثيين بشكل
مباشر على مستقبل اليمن. وهذا إنجاز جديد حققته إيران لصالحها. تماماً كما
كانت التسوية الرئاسية اللبنانية مناسبة لإعلان إيران إتمام سيطرتها على
أربع عواصم عربية.
اللقاء الودّي
لقد تمّت التسوية
الرئاسية اللبنانية كنتاج مفاوضات غير مباشرة إيرانية أميركية. وكانت
المملكة العربية السعودية حاضرة فيها نوعاً ما. اليوم، كل المفاوضات التي
تجري في لبنان تبدو المملكة العربية السعودية غائبة عنها، باستثناء مشهد
زيارة رؤساء الحكومة السابقين إليها، والذين لم يحملوا معهم أي دعم ملموس
أو حقيقي في السياسة. والمعنى الوحيد من خلف مشهدهم في الرياض، هو تحذير
الحريري من استمراره بنهجه التنازلي. لكن الرد على صورة رؤساء الحكومة
السابقين في المملكة، جاء – ويا للمفارقة – من قبل الإدارة الأميركية، عبر
الأهمية التي اكتسبتها زيارة الحريري إليها، واللقاءات التي عقدها سرّاً
وعلناً، وأبرزها ما تجلى بزيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لمزرعة
الحريري الخاصة بالقرب من واشنطن.
تمثّل الزيارة، وما
حملته من لقاء ودّي اتخذ طابعاً عائلياً، رسالة أساسية أراد الأميركيون
إيصالها إلى اللبنانيين، أن من يريد منهم أي مطلب فعليه مراجعة الحريري.
يقول الأميركيون إن الحريري يحظى بدعمهم في لبنان، وهو الرابط المباشر
لعلاقتهم هنا. وأنه المخول في هذه العلاقة، وترتبط به كل الملفات العالقة.
وهذا دعم فائق يحظى به الحريري من الإدارة الأميركية، لا يخلو من الحماية
السياسة والمعنوية، ويعيد للرجل الكثير من الاعتبار ردّاً على سياسات كثيرة
مورست بهدف النيل منه.
النهج الأميركي والاستقرار
وعليه،
لا يزال الحريري يمثّل حاجة لبنانية صرفة، وعربية في بعض القضايا، ودولية
في أبعاد عدة، وخصوصاً أميركياً. هذه الحاجة التي يمثلها لعدد من الدول،
تعطيه دفعاً قوياً في استمراره بسياسته وبقائه في موقعه وتحصينه. لكن ما
يتوجب فعله هو الفصل بين ما يمثله، وبين السياق السياسي الذي ينتهجه. بمعنى
أن الاحتضان الأميركي له ودعمه، لا يعني أن المسار السياسي للرجل صائب أو
يحظى برضى من كان يعارضه على سياسته. وهنا السر في كل التطورات التي يشهدها
لبنان. بالنسبة لبعض المتحمسين، فهم يعتبرون أن موقف الحريري بالدفاع عن
وليد جنبلاط وإلى جانب القوات اللبنانية، قد يمثل استعادة لمرحلة 14 آذار.
وهذه بحد ذاتها قراءة خاطئة لمجريات الأحداث. خصوصاً أنها تنطلق من قراءة
الظاهر في زيارة بومبيو وسلوكه الودّي، على أنها تعبير عن مطالب أميركية
متشددة تعهد الحريري بتنفيذها. لكن الصورة الحقيقية تبدو مختلفة بالنظر إلى
تطورات اليمن، الخليج، العراق، وسوريا، والتي لا تزال طهران تراكم المكاسب
فيها على حساب خصومها، وتستدرجهم إلى خانة الحوار معها رضوخاً لما تفرضه
من شروط.
يعرف الأميركيون أن
ما عجزت عنه دول عربية مجتمعة في مواجهة إيران وحزب الله، لن يقوى عليه
الحريري وحده في لبنان، ولذلك لا يمكن اعتبار أن هذا الود والحفاوة التي
أحيطت بزيارته ترتبط بشروط فرضت عليه. ولأن ما جرى في تشرين الأول 2016 كان
بدعم أميركي إيراني، فإن إستمرار هذه التسوية بشروطها وميزانها يتواءم مع
النهج الأميركي ذاته، بمعزل عن كل الكلام عن عقوبات وإجراءات. ما يهتم به
الأميركيون في لبنان واضح، ترسيم الحدود، النفط، حماية أمن إسرائيل. وترتبط
كلها بمساعدات تحصل عليها الدولة اللبنانية، وتوفير الاستقرار. ويعرف
الأميركيون أيضاً، أن أي انجاز لهذه الملفات لا يمكن أن يتم من دون
الاستقرار السياسي، ومن دون حدّ أدنى من التفاوض والتوافق مع حزب الله.
وساطة التفاوض
وهذا
ما أراد له الأميركيون أن يتعزز بواسطة الحريري ومعه، عبر القول أنه
“وكيل” التوجهات الدولية في لبنان، ويمثل حاجة لمختلف القوى اللبنانية
لديمومة علاقة لبنان مع الخارج، وربما لإيكاله دوراً أساسياً في التفاوض
المباشر أو غير المباشر مع الحزب. هكذا يصبح الوسيط بين لبنان المنتصر فيه
حزب الله، وبين المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، تماماً
كما الدور الذي لعبه سابقاً رفيق الحريري نيابة عن النظام السوري في
علاقاته الدولية.
الدفع القوي الذي مُنح للحريري من خلال زيارة بومبيو إلى مزرعته الخاصة، لاقاه أيضاً دفع معنوي آخر سري، من خلال لقائين عقدهما الرجل مع جون بولتون وجاريد كوشنير. هذان اللقاءان تركزا للبحث بالنقاط الآنفة الذكر، حول ترسيم الحدود والنفط، ووضع حزب الله وإيران. وبنتيجتهما، فإن الحريري سيعود بقوة إلى المشهد الداخلي. لكن هذه القوة لن تؤدي إلى إضعاف خصوم الولايات المتحدة الأميركية، إنما ستتكامل معها.
منير الربيع / المدن