كلمة عون: هزال الوعود وانعدام الرؤية الاقتصادية
تأخر رئيس الجمهورية ميشال عون كثيراً ليُحاول إقناع المنتفضين في الساحات بأنه رأس البلاد وقائدها والقادر على التأثير في مواطنيها. ومنذ انتخابه رئيساً للبلاد ضمن تسوية سياسية فرضها حزب الله، لم يُوفَّق عون في استعادة صورته بالهيبة ذاتها التي كان يملكها، حين كان قائداً للجيش، وحين عاد من منفاه الفرنسي إلى الحياة السياسية اللبنانية تحت غطاء العلمانية والديموقراطية. فحينها صدّق بعض اللبنانيين أن عون الرافض للتبعية السورية وديكتاتوريتها، سيكون الداعم الأول للتغيير والإصلاح. غير أن دخوله معترك التسويات أدخله حكماً في لعبة الدفاع عن الكرسي والمنصب لكافة شركائه في “العهد”، حتى الذين أعلن يوماً أن إبراءهم من الفساد، أمراً مستحيلاً.
وعود بالمحاسبة
عَرَف
المتظاهرون أن خطاب عون المنتظر، لن ينقل الواقع من مكان الى آخر بلمسة
سحرية، لكن ما لم يتوقعوه، هو كلمة هزيلة لا تلامس قضايا المتظاهرين
الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. بعيداً عن الجانب السياسي الذي تمحور
حول التأكيد على بقاء حكومة العهد والطلب من المتظاهرين الخروج من الساحات
وإعطاء الطبقة السياسية فرصة لإجراء سلسلة من الإصلاحات، فإن كلمة عون خلت
من الرؤية الاقتصادية والاجتماعية التي تشكّل الركيزة الأساسية لانتفاضة 17
تشرين الأول.
عوض الاكتفاء بالكلام الهزيل الذي يعكس عدم قدرة عون على التأثير في مجريات السياسة اللبنانية، أصرّ عون على تبرئة نفسه من كل ما يحصل. فبرأيه، هو لم يترك وسيلة إلا واستعملها لتحقيق الإصلاح، لكن “الآخرين” منعوه وعرقلوا الإصلاح. وبرغم ذلك، أكّد رئيس الجمهورية أن “كل من سرق المال العام سيُحاسَب”. لكنه لم يوضح كيف سيضغط باتجاه محاسبة من يُفتَرَض أنهم “الآخرون” الذين منعوه من الإصلاح. ولم يخطر بباله أن هذه المعادلة غير قابلة للتطبيق، لأن القادر على عرقلة الإصلاح، قادر على منع المحاسبة.
محاسبة الفاسدين هو شعار تستعمله كل القوى السياسية ضد فاسد مجهول لم يُقبَض عليه يوماً منذ 30 عاماً. علماً أن عون نفسه، أشار إلى بعض الفاسدين وإلى جملة من قضايا الفساد حين كان نائباً في البرلمان ورئيساً للتيار الوطني الحر. وحينها، حَمَل عون كتاب “الإبراء المستحيل” وطوّبه دستوراً لمكافحة الفساد، لكنه سرعان ما تنصّل من الكتاب بفعل التسوية الرئاسية. فبفضلها، بات الفاسدون حلفاء.
جهل بالمطالب
بدا واضحاً أن عون يتخبط وسط المجهول، فلا صلاحيات مباشرة لديه، وليس بيده آلية للضغط على مجلس النواب لتشريع ما يراه خطوات إصلاحية. لذلك، لم يجد عون سبيلاً لاختراع دور له في هذه الأزمة، سوى دعوة المتظاهرين إلى محاورته لمعرفة مطالبهم، وهذا ما أجّج التحركات الشعبية وزاد من نقمة المتظاهرين على كل رموز السلطة. فبعد أسبوع من الإعلان عن المطالب بوضوح، يريد عون إعادة الأمور الى نقطة البداية عبر تحديد المطالب ومناقشتها. علماً أن عون تطرّق في كلمته المقتضبة إلى الورقة الاقتصادية التي أعلنها رئيس الحكومة سعد الحريري باسم حكومته، والتي أُجبِرَت السلطة على إعلانها تحت ضغط المتظاهرين. فكيف يعرف عون بأمر الورقة الاقتصادية ولا يعرف أسباب وضعها؟ فبالتأكيد لم تُوضع الورقة “كرَم أخلاق” من الطبقة السياسية، بل وُضِعَت في محاولة لتحقيق بعض مطالب المتظاهرين.
ومع ذلك، لا ضرر من تذكير عون ببعض المطالب الأساسية. فالمتظاهرون ملّوا وعود السلطة بمحاربة الفساد ووقف هدر المال العام وتأمين الكهرباء 24/24، فضلاً عن تأمين ضمان الشيخوخة ومحاربة البطالة، بالإضافة الى استعادة حقوق الدولة بالأملاك العامة والتحرر من سلطة المصارف وتحويل الإقتصاد من ريعي الى إنتاجي، ناهيك بدعم الصناعة والزراعة… وغيرها من المطالب الاقتصادية الاجتماعية التي لا تُعد ولا تُحصى، والتي يطالب فيها المواطنون يومياً.
وإن كان عون يريد محاربة الفساد كما يقول، فليبدأ بمراجعة ملف بواخر الطاقة الذي يرشح الفساد من كل جوانبه، وليسأل مدير عام إدارة المناقصات جان عليّة، الذي هُدِّد بشتى الوسائل لأنه أراد تطبيق القانون، ومع ذلك، جرى تمرير الملف بالتوافق بين أحزاب السلطة، خلافاً لرأي إدارة المناقصات.
مطالب دولية
بتجاهله مطالب المتظاهرين والإيحاء بأنها مطالب مستحدَثة يجب الإطّلاع عليها، يؤكد عون أنه يتجاهَل أيضاً مطالب مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية بضرورة إجراء إصلاحات حقيقية، كمقدمة لتحسين تصنيف لبنان. واللافت أن تقارير تلك المؤسسات، تشير الى عدم ثقتها بأن الحكومة اللبنانية جدية في إجراء الإصلاحات. كما أنه يتجاهل ما قاله المبعوث الفرنسي المكلف متابعة مؤتمر “سيدر” بيار دوكان، الذي رأى أن الوضع في لبنان “ملح وطارىء ولا يمكن أن نجد مؤشراً اقتصادياً ومالياً واحداً ليس سيئاً”. أي أن المجتمع الدولي، من خلال تحذيراته، يعرف مطالب اللبنانيين أكثر مما يعرفها رئيسهم الذي حين خرج ليخطب بشعبه في عزّ انتفاضته، مجّد نفسه وحمّل الآخرين المسؤولية وأبقى نفسه خارج كل شيء.
المدن