دور “وزير القصر” برفض عون قانون مكافحة الفساد
مع تقديرنا واحترامنا لبيان المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية والمشرف على هذا المكتب، حول رد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لقانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، إلى مجلس النواب بتاريخ 25/7/2019 بعدما كان المجلس أقر هذا القانون في جلسة 27/6/2019، فإن رد القانون – أي قانون – هو بمثابة الرفض أو أقله عدم الاقتناع. وهذا من حق رئيس الجمهورية الدستوري الذي لا يُناقش به أحد.
وبمعزل عن الأسباب الموجبة للرد، ومنها الاستراتيجية الوطنية
لمكافحة الفساد، التي لم تقر بعد، فإن متابعة مسار هذا القانون منذ ولادته
في مجلس النواب حتى صدوره، تبين أن الدور الأساسي والبارز في “ديباجة”
أسباب رد القانون وعدم توقيعه، التي تجاوزت 14 سبباً، يعود إلى وزير شؤون
رئاسة الجمهورية “وزير القصر”، وفق توصيف بعض القوى والأطراف السياسية،
سليم جريصاتي، خصوصاً أن جريصاتي حاول إقناع مجلس النواب أثناء مناقشة
وإقرار القانون في الجلسة النيابية العامة، ولكنه لم يُفلح، في طلب تأجيل
البت به وربطه بموضوع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي لا تزال
“تعسّ” في مهب الدراسة.
النواب والرئيس
يقول عراب هذا
القانون النائب السابق غسان مخيبر لـ”المدن”: “أبلغت رئيس الجمهورية وفريق
عمله مجموعة من الملاحظات حول أسباب الرد وتفاهمنا مع عدد من النواب،
خصوصاً في لجنة الإدارة والعدل على تسريع العمل من أجل إصداره نظراً
لأهميته”.
وأضاف مخيبر: “كنت أفضل صدور القانون في وقته، ومن ثم توضح ملاحظات رئيس الجمهورية في المراسيم التطبيقية، سيما وأن القانون يتفق مع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد الذي يُعمل عليها الآن، وينسجم مع الاتفاقيات الدولية التي انضم إليها لبنان، أو التي قد ينضم إليها، ومنها اتفاقية منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE لمكافحة رشوة الموظفين العموميين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية، التي أشار إليها بيان مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية”.
وأكد مخيبر أن “المطلوب الآن وبمعزل عن ملاحظاتي وملاحظات
الرئيس، هو الإسراع في إقرار هذا القانون ولو معدلاً وفق ملاحظات الرئيس
وقد عقدنا إجتماعات عدة بهذا الشأن مع النواب وخصوصاً في لجنة الإدارة
والعدل لهذه الغاية”.
رسالة سلبية
وفي سياق متصل، رأت
مصادر “المدن” أن إعادة القانون إلى مجلس النواب، شكلت رسالة سلبية إلى
مؤتمر “سيدر”، خصوصاً وأنه يُشكل أبرزالقوانين الإصلاحية المطلوبة من الدول
المانحة، إلى جانب قانون الحق في الوصول إلى المعلومات وقانون حماية كاشفي
الفساد.
وعلمت “المدن” أن اللجنة الفرعية التي شُكلت من قبل لجنة الإدارة والعدل لإعادة دراسة هذا القانون، قد أنهت عملها وتركت الخيار أمام لجنة الإدارة لترفع توصيتها إلى الهيئة العامة لمجلس النواب لإتخاذ أحد الخيارات التالية: إما التمسك بالقانون كما هو، والتأكيد عليه ما يستلزم تصويت الأغلبية المطلقة أي 65 نائباً، وإما الأخذ بملاحظات رئيس الجمهورية رغم تناقضها مع قناعات النواب، أو الأخذ ببعض ملاحظات رئيس الجمهورية.
منذ العام 2007
وللتذكير فإن هذا القانون كان مر بمراحل متعددة في اللجان النيابية، وأشبع درساً وتمحيصاً منذ تقدم به النائب الراحل روبيرغانم في أواخر العام 2007، تحت عنوان “مكافحة الفساد في القطاع العام”. ودُرس في لجنة الإدارة والعدل التي كان يرأسها غانم نفسه. وأحيل إلى الهيئة العامة عامي 2009 و2010، ثم استُرِدّ ريثما تُشكل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. وبعد أن وقع لبنان مع الأمم المتحدة اتفاقية مكافحة الفساد، أُعيد البحث في الاقتراح مجدداً. وشكلت له لجنة فرعية من لجنة الإدارة والعدل حينها، برئاسة النائب غسان مخيبر وعضوية النائبين الدكتورعماد الحوت وإيلي كيروز. وعقدت هذه اللجنة المصغرة 35 جلسة للبحث، ليعود ويولد من جديد من قبل اللجنة الأم عام 2017، ثم أحيل إلى لجنة المال التي درسته وأقرته انطلاقاً من صيغة لجنة الإدارة بتاريخ 19\12\ 2018.
مفارقة عونية
في الختام، لا بد من السؤال أو التساؤل أين كان فريق رئيس الجمهورية و”وزير القصر” عندما كان يُدرس هذا القانون في مجلس النواب ولجانه الفرعية والعامة، خصوصاً وأن عرّاب هذا الاقتراح كان عضواً في كتلة الرئيس عون النيابية (النائب مخيبر). كما أقر القانون أيضاً بإجماع لجنة المال، التي يرأسها أحد أبرز نواب التيار الوطني الحر وأمين سر تكتل “لبنان القوي” النائب إبراهيم كنعان؟
المدن