مساعدات مؤتمر باريس مشروطة.. والحريري قد يطيح بالاستشارات
تستمر القوة السياسية في البحث عن سبل تؤمن لها إعادة إنتاج
وتعويم نفسها. الرئيس سعد الحريري يراسل رؤساء عدد من الدول، للحصول على
مساعدات وفتح اعتمادات تسعف لبنان في توفير استمرارية الأمن الغذائي،
والمواد الأولية للإنتاج. الوزير جبران باسيل يجول في روما، يلتقي عدداً من
وزراء خارجية الدول، لإعادة تعويم نفسه، فقد طلب من الفاتيكان مساعدته كي
يرفع الأميركيون الفيتو عن اسمه للتوزير، والتقى مع وزراء خارجية روسيا
وإيران للغاية ذاتها، مستخدماً مجدداً اللعب على العصب الطائفي والأقلوي،
عبر مهاجمة اللاجئين وردّ أسباب الانهيار الذي يتعرض له لبنان إلى موجات
اللجوء، بدلاً من تحميل الطبقة السياسية المسؤولية. ولم ينس الحديث في
كواليسه عن “حقوق المسيحيين” و”الحفاظ عليهم سياسياً”. وكأن دولة أقل
فساداً تتعارض مع تلك “الحقوق”!
حماسة فرنسا
لا تزال
القوى السياسية تواجه مطالب الثورة بالاندفاع بعيداً نحو الصراع الدولي
والإقليمي. ولا تفكر إلا بتوفير ظروف عودتها. كل طرف يعتبر نفسه المخلص ولا
إمكانية لإنقاذ لبنان من دونه. بينما الجواب الدولي الواضح حتى الآن،
يتحدث عن تشكيل حكومة كفوءة ومستقلة قادرة على الإنتاج والتغيير. والأهم أن
الموقف الدولي لا يتعلّق أو يرتبط بأشخاص. فلا أحد مثلاً يتمسك بعودة
الحريري أو يربط شخصه ووجوده بتقديم مساعدات، ولا أحد أيضاً يربط المساعدات
برئيس الجمهورية أو التيار المسيحي “القوي”. على العكس، حسب ما تفيد مصادر
ديبلوماسية، فإن الدول لا تتمسك بأي شخص، لا بل تضع ملاحظات كثيرة على
المسؤولين وتنتقد أداءهم، وتعبّر عن إنزعاجها بسبب التجربة المريرة منذ
ثلاث سنوات.
وحدها باريس تبدو متحمّسة للعمل في لبنان وتوفير المساعدات
له، ويمثل لبنان ساحة الحضور الأساسية لفرنسا الباحثة عن فرص العودة إلى
مشهد المنطقة، إنطلاقاً من موقعها ودورها كصلة وصل بين الأميركيين
والإيرانيين. ولبنان يمثّل إحدى ساحات التقاطع. لذلك وجهت فرنسا الدعوة إلى
عقد مؤتمر دولي للدول المانحة لمساعدة لبنان. وحسب ما تكشف المعلومات، فإن
اللقاء الثلاثي الفرنسي البريطاني الأميركي انعقد يوم الثلاثاء الماضي في
لندن، بخلاف كل المعلومات التي تحدثت عن تأجيله. وتشير المعلومات إلى أن
البريطانيين والفرنسيين يتقاربون في وجهة نظرهم بعدم دفع لبنان إلى
الانهيار، وبضرورة مساعدته. وحاولوا إقناع الأميركيين بوجهة نظرهم. بينما
يستمر داخل الإدارة الأميركية التناقض في كيفية التعاطي مع الملف اللبناني.
بعض القوى تفضل ترك لبنان لمصيره وعدم التدخل لمساعدته. بينما أجنحة أخرى
ترى من الواجب المساعدة، كي لا ينهار لبنان بما قد يخدم حزب الله على المدى
البعيد.
شروط للمساعدة
سيعقد المؤتمر في الحادي عشر من
الشهر، وستحضره الدول المانحة. لكن، حسب ما تؤكد مصادر متابعة، لا يمكن
التعويل على نتائج سريعة لهذا المؤتمر. صحيح أن باريس ستسعى لتوفير مبلغ
يتراوح بين 4 و6 مليارات دولار، لمساعدة لبنان، إنما لا يجب أن يغرب عن بال
اللبنانيين مؤتمر سيدر، الذي أقر للبنان مساعدات بقيمة 11 مليار دولار،
ولم يصل منها شيء منذ أكثر من سنة ونصف السنة، وذلك لأسباب سياسية وأخرى
تقنية تتعلق بأداء الدولة اللبنانية. ما يعني أنه لو توفرت الأموال في هذه
المؤتمر، فلن يحصل عليها لبنان من دون تحقيق شروط عديدة.
تؤكد المعلومات أن الدول المانحة سيكون لديها شروط سياسية، وليس فقط تقنية واقتصادية. وهناك تفاهم على أن أي دعم يجب أن تسبقه حكومة جديدة، “تلبي تطلعات الناس، وتقوم بالإصلاحات تطبيقياً، لا الاكتفاء بتقديم الوعود”. وهذا يجب أن يظهر في كفاءة استخدام الأموال المتوفرة من هذا الدعم. ما يعني أن الدعم لن يصل قبل تحقيق حزمة إجراءات، لا تنفصل عن الإجراءات السياسية. وهذه الأخيرة ترتبط بدور حزب الله، وسلوكه في لبنان والمنطقة، وملفي ترسيم الحدود والنفط الحاضر بقوة في لقاءات باريس مع لافروف وظريف.
ليس بالضرورة أن ينعكس المؤتمر ايجابياً على نحو سريع على الوضع السياسي والاقتصادي في لبنان. لكنه سيخفف من القلق معنوياً. بينما تشدد المصادر على أن الأميركيين ودول الخليج لن يقدموا الدعم للبنان من دون شروط. وهذا يقول أن المساعدات المالية لن تصل قبل البدء بتحقيق هذه الشروط، ومن بينها أن لا يكون حزب الله المسيطر الوحيد على “السياسة، الأمن، الاقتصاد، ملف الحدود والمعابر، والمقرر الأساسي في انتخاب رئيس الجمهورية واختيار رئيس الحكومة”.
المساعدات سترتبط بتغيير أو تعديل موازين القوى و”إعادة
التوازن”. وهناك وجهة نظر دولية تحاول التخفيف من هذه الشروط، لأن حزب الله
لن يتراجع. وتشبثه يعني حجب المساعدات وانهيار لبنان، بما لا يصب في مصلحة
المجتمع الدولي. وحزب الله سيتشدد أكثر في السيطرة على البلد.
مصير الاستشارات
تعتبر
المصادر أن الأزمة ستكون طويلة، لأنها أصبحت معلّقة على حسابات إقليمية
ودولية، وخصوصاً أن هناك مزاجاً دولياً يرفض أي تغيير جذري في لبنان، ويفضل
بقاءه على حاله، بانتظار تبلور وجهة الأمور في المنطقة. فحتى لو تشكلت
حكومة بالصيغة التي يحكى عن التوصل إليها مع سمير الخطيب. فهكذا حكومة
شكلها حزب الله وباسيل لن تحصل على المساعدات الدولية، ولا حتى أي حكومة
تشبهها. لا سيما أن مطلب حكومة تكنوقراط له هدف يرتبط بالشروط السياسية
الآنفة الذكر.
وبالتوازي مع تعويل المسؤولين اللبنانيين على مؤتمر الدعم الدولي، تستمر الضبابية بشأن جدول مواعيد الاستشارات يوم الإثنين المقبل، خصوصاً مع عدم صدور موقف علني من كتلة المستقبل يؤمن الغطاء السنّي لسمير الخطيب، بينما حزب الله يرفض السير بمرشح لا يحظى بهذا الغطاء، لا سيما بعد مواقف رؤساء الحكومة السابقين ونهاد المشنوق من دار الفتوى، وغياب القرار الحاسم للحريري. فالسير بالخطيب يرتبط بمدى وحجم دعم الحريري له. هل سيكون تأييداً، أم مشاركة؟ وما مدى مقبوليته في الشارع. المؤشرات تفيد بأن الخطيب احترق قبل أن يتكلف. على الرغم من تعاطي حزب الله وكأن مسألة تكليف الخطيب لا تزال سارية طالما أن الحريري لم يخرج من الاتفاق.
هنا، لا بد من العودة إلى رسالة الحريري إلى الدول، وتحرك باسيل في الخارج. ثمة من قرأ في هذه الرسالة وكأن الحريري يريد أن يبقى في الصدارة وأن يظهر بوصفه رئيس الحكومة الوحيد المؤهل لهكذا مهمة. وواضح أنه ما زال يفرض نفسه ويطمح لتأليف الحكومة الجديدة تحظى بدعم دولي ووفق شروط معقولة. وهو من أجل ذلك ينتظر الحصول على بعض التنازلات، من قبيل عدم إعادة أسماء سياسية إلى الحكومة كوزراء سابقين أو نواب. باسيل يعرف ذلك، ويضغط على الحريري ملوّحاً باسم فؤاد مخزومي، واحتمال تسميته في استشارات الإثنين، إذا تراجع الحريري عن تسمية الخطيب وحصل ما لم يكن في الحسبان. ويصرّ باسيل على ربط وجوده في الحكومة بوجود الحريري. فإذا ما عاد الأخير سيعود إلى الخارجية. وليست لقاءاته في روما بعيدة عن تكريس هذه المعادلة.
المدن