المتاريس ترتفع بين عون وبرّي داخل حكومة “المستشارين”
عندما أصبح المستشارون وزراء، تحوّل الأصيلون إلى لعب دور المستشارين. وفي هذه الحالة أصبح للمستشارين الفعل الأصيل والتأثير الكبير على خطط وإجراءات الوزراء الجدد، حديثي الدخول إلى الجنة الوزارية.
المتاريس السياسية لا تزال قائمة داخل الحكومة، وخلفها
اتهامات وهمس مُتقاذف، بتحميل كل طرف المسؤولية للآخر. فالوزراء
المستشارون، المحسوبين على التيار الوطني الحرّ، يتهمون الوزراء السابقين
والذين أصبحوا اليوم مستشارين لمستشاريهم السابقين (وهم اليوم وزراء)،
بأنهم يعتمدون سياسة الأسلاف ذاتها في ملف الكهرباء مثلاً. وبالتالي، هم
يقصدون الوزراء المحسوبين على حركة أمل. بينما وزراء أمل وتيار المردة
وغيرهم يتهمون الوزراء العونيين بأنهم يقرأون بكتاب واحد، تماماً كما كان
الحال بالنسبة لما يكتبه جبران باسيل ويلتزم به الوزراء من حوله في الحكومة
السابقة، من الكهرباء إلى الملفات الأخرى.
تراشق وعرقلة
المشكلة
لا تزال نفسها، والصراع نفسه، والعقلية ذاتها في التعاطي مع كل الملفات،
وكأن شيئاً لم يحصل في لبنان ولا أزمة تستدعي خطة طوارئ اقتصادية. تتعاطى
القوى السياسية المشاركة في الحكومة مع بعضها البعض، على القطعة، ملفاً
مقابل آخر، وعرقلة تواجهها عرقلة أخرى. لا يزال هذا الصراع مكتوماً حتى
الآن، ولكنه يدنو من الانفجار والخروج إلى العلن. التشكيلات القضائية
والخلاف حولها ورفض توقيعها من قبل وزيرة العدل، بطلب من رئيس الجمهورية
ووزير عدل سابق، استدعت استنفاراً لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي
يعبّر عن غضبه من هذه الممارسات المستمرة. بري الذي لا يترك فرصة إلا ويغمز
فيها من قناة ملف الكهرباء ووجوب إصلاحه، أعلن رفضه المطلق لإنشاء معمل في
سلعاتا، الذي يرغب فيه باسيل.
فيتم الردّ على رئيس المجلس، باستهداف وزير المال غازي وزني
المحسوب عليه. ويتعرض وزني إلى محاولات كثيرة من العرقلة والتطويق، لا سيما
في خطته المالية التي يقدمها ويستعرضها، وقد ناقشها مع جهات ومؤسسات
دولية، وهو يصل إلى خلاصة أن لا مناص من اللجوء إلى صندوق النقد الدولي،
واتخاذ إجراءات وقرارات إصلاحية سريعة، تبدأ بملف الكهرباء، تعطي انطباعاً
إيجابياً إلى العالم، ليبدي استعداده مساعدة لبنان. بينما يعمل التيار
الوطني الحرّ على عرقلة خطة وزني، في إطار معركة النقاط والنفوذ المفتوحة
بين العهد ورئيس مجلس النواب، والتي يدفع ثمنها البلد.
دياب الضائع
العقلية
التي ينطلق منها التيار الوطني الحرّ في تقديم طروحاته، لا تزال ترتكز على
نقطة أساسية لديه، وهي الولوج إلى كل المفاصل التقريرية في الدولة،
القضائية والعسكرية والمالية. فمثلاً، جزء من الخطة التي قدمها وزني، تم
نسخها من قبل فريق رئيس الحكومة، ومستشاريه ونسبها لأنفسهم، وتضمينها
لمقررات الاجتماع الذي عقد بين جمعية المصارف ومدعي عام التمييز، من دون أي
إشارة إلى أنها جزء من خطة وزير المال.
في هذا الصراع المفتوح، والذي يريده التيار الوطني الحر أن
يكون مع كل القوى السياسية باستثناء حزب الله، يقف رئيس الحكومة حسان دياب
ضائعاً، عائماً على بحر من المواقف الإنشائية، وهو الذي كان يوماً قريباً
من رئيس مجلس النواب، يجد نفسه مبتعداً عنه شيئاً فشيئاً، وفق مقتضيات
الوظيفة والظرف، من فريق المستشارين حوله، إلى الركون طائعاً بين يدي رئيس
الجمهورية. وبينهما لا يجد نفسه في غير خانة المزايدة على كل القوى الأخرى،
طمعاً في إرضاء حزب الله، بل وحتى الذهاب أبعد منه في رفض صندوق النقد
الدولي. فتجتمع هذه العوامل كلها على تطويق وزير المال وخطته، في خرق جديد
لصلاحيات مجلس الوزراء. إذ انه عندما أرسل وزني خطته المالية إلى الأمانة
العامة لمجلس الوزراء لإدراجها على جدول أعمال الجلسة، تم سحبها من قبل
فريق مستشاري رئيس الحكومة، لدراستها وتعديلها، بينما كان يجب أن تناقش في
جلسة الحكومة.
تصدعات وتطييف
تطويق وزني لا يقف عند هذا
الحدّ، وهو لا يستهدف شخصه، بل يندرح في خانة استهداف رئيس مجلس النواب
نبيه بري، الذي يتخذ مواقف معارضة لرئيس الجمهورية، في ملفات كثيرة أهمها
خطة الكهرباء، والتي لا تزال العقلية ذاتها تتحكم بها، انطلاقاً من منطق
تسييس كل الملفات وتطييفها.
ومن الواضح أن هذه المعركة ستتزايد في المرحلة المقبلة. والخوف من هذه التصدعات التي قد تنعكس على الأداء الحكومي، وعلى حزب الله بشكل مباشر، ستدفع الحزب إلى الدخول بقوة على خط تهدئة العلاقة بين الطرفين وإيجاد تسوية فيما بينهما.
المدن