تفاصيل خطط باسيل للاستيلاء على التلزيمات والموارد المالية
ضجيج يلف الحياة السياسبة اللبنانية بأخبار وحوادث كثيرة، يقال إنها مساع لمكافحة الفساد ووقف الهدر.
اللغو عن الفساد
تلك
نغمة لبنانية معتادة تلازم المطامع السياسية، وتستبطن مطامع مالية. ومنذ
أشهر وسنوات، ينشغل أفرقاء السياسة في لبنان بمعارك تحسين مواقعهم وتعزيز
حصصهم في الحكم والدولة، وعلى هوامشهما، فيما ينشغل اللبنانيون بما يطلقون
عليه معارك مكافحة الفساد. وهي معارك يخوضها هذا الفريق أو ذاك، لتحميل
المسؤولية عن الفساد والهدر إلى فريق آخر. أما في الحقيقة، فيكون “مكافح
الفساد” طامحاً لوراثة من يتهمه بالفساد.
وفي إحدى إطلالاته الساخرة في أوائل التسعينيات، سئل زياد
الرحباني عن سبب “الإحباط المسيحي” من مجيء رفيق الحريري إلى لبنان، فأجاب:
المسيحيون محبطون لأن الحريري أخذ مكانهم.
أقانيم عون الثلاثة
توصيف
الرحباني دقيق، وينطبق على ما يجري ويحدث اليوم. فالحرب على الحريرية
السياسية، وشعارات استعادة حقوق المسيحيين، ومكافحة الفساد، تنطلق من حساب
واحد: المهاجمون يريدون أن يرثوا كل شيء، ويسيطروا على كل شيء. ومساعي
السيطرة تجلت بقوة فائضة بعد التسوية الرئاسية.
وفي هذا السياق، لا بد من العودة إلى أقانيم ثلاثة يريد رئيس
الجمهورية ميشال عون السيطرة عليها: الأمن والعسكر، القضاء، والقطاع المالي
وما يرتبط به.
المال والفيول
لكن المعارك فتحت منذ مدة
طويلة. ونجح العهد في مجالات عديدة وتعثر في أخرى. بقي القطاع المالي وكل
ما هو مدرّ مالياً هدف العونية الأساسي. لذلك، كانت الحرب مع مصرف لبنان
وحاكمه. لكن تلك الحرب اصطدمت بجدران سميكة، ووجد المهاجمون أنفسهم في حاجة
إلى إعادة تجديد الاتفاقات السياسية، لأنهم لن يتمكنوا من تحقيق ما يصبون
إليه.
وانتقل فريق العهد من هجوم إلى آخر، فحطّوا رحال معركتهم على ملفين متشابكين جداً: معمل سلعاتا والفيول المغشوش.
وعندما لم تقر خطة سلعاتا التي يتمسك بها العونيون، بدأ باسيل
يحضر لفتح ملفات من كل حدث وصوب، لتمرير الخطّة بأي شكل: دخل في توتر
وابتزاز سياسي مع حزب الله. انزعج من الرئيس نبيه بري.
أهداف باسيل الثلاثة
في
الوقت نفسه كان باسيل يخوض معارك إلباس تهم الفساد كلها لخصومه السياسين،
من بوابة الفيول المغشوش. فتح معركة مع سليمان فرنجية انعكست سلباً على
الساحة المسيحية. وكان لا بد من إحداث توازن طائفي وفق قاعدة 6 و6 مكرر.
وفتح ملف آل البساتنة، وله أهداف ثلاثة.
الأول: بعد فشل محاولات الاقتطاع من الودائع الصرفية، ولدت لدى العهد فكرة إلزام المقاولين ورجال الأعمال الكبار، الذين استفادوا من الدولة، بدفع مبالغ مالية لصندوق يمول الخزينة في ظل الأزمة القتصادية.
والهدف الثاني: آل البساتنة هم وكلاء شركة سيمنز التي تدور مفاوضات معها لإنشاء معملي كهرباء. وسيمنز وجنرال الكتريك تقدمتا بمشروع إنشاء معملي كهرباء في دير عمار والزهراني. وهذا يعني أن معمل سلعاتا غير موجود. لذا أراد باسيل الضغط على آل البساتنة لإقناع شركة سيمنز بأن تتقدم بمشروع لإنشاء معمل في سلعاتا.
الهدف الثالث: محاولات باسيل معرفة أي علاقة مالية تربط آل البساتنة بسعد الحريري ونبيه بري.
عقد لقاءان بين باسيل وآل البساتنة، بالتزامن مع بدء شن
الحملات عليهم. وكلا الاجتماعين تركزا حول نقطة أساسية: إقناع سيمنز بإنشاء
معمل في سلعاتا. ولكن جواب البساتنة كان أنهم غير قادرين على ذلك. فلا
يمكن سيمنز أو أي شركة أخرى تنفيذ مشروع في خطة الكهرباء إلا باتفاق الدولة
اللبنانية مع صندوق النقد. لكن باسيل استمر بالضغط بالطرق كلها، بما فيها
القضائية. وحصل الالتباس حول النتائج المخبرية للفيول، وحول توقيف الباخرة
ومن ثم إفلاتها، وسوى ذلك من التفاصيل.
باسيل والبساتنة وآل رحمة
واشترط
باسيل على البساتنة، وسواهم من المقاولين: في حال لم تموّل الشركات
الدولية إنشاء معمل سلعاتا، فإنه سيلزمهم بطريقة أو بأخرى بأن يتحملوا
تكاليف إنشاء المعمل. وهذا على قاعدة دفع المال لصالح صندوق يرفد خزينة
الدولة.
هنا تحولت المعركة مجدداً إلى معركة مالية سياسية، ليتم البحث عن مخارج لها. وما ينطبق على آل البساتنة ينطبق أيضاً على آل رحمة، الذين أراد باسيل إرغامهم على دفع أموال لصالح هذا الصندوق وتمويل خطة الكهرباء.
واتخذت المعركة بعداً آخر يرتبط بطروحات التيار العوني، لا
سيما لجهة التدقيق المالي في ملف الفيول وفي حسابات مصرف لبنان. عندها تلقى
التيار رسالة بالغة الوضوح من الأميركيين: لا يمكن الاستمرار بهذه
المعارك، وخصوصاً في مصرف لبنان، لأن ما يجري هو معركة سياسية تهدف السيطرة
على المصرف المركزي. والمسألة الثانية في الرسالة الأميركية هي وجوب تركيز
التدقيق المالي على ملف الكهرباء، وملف الجمارك في المرفأ والمطار. لذا
بدأ باسيل يبحث عن خطوات تراجعية. هو طبعاً لا يريد إجراء أي تدقيق مالي في
ملف الكهرباء، معتبراً أن الكهرباء تخلو من تجاوزات كبيرة.
السفيرة الأميركية
واستمرّت
المعمعة حتى ظهرت السفيرة الأميركية في بيروت، في إطلالة تلفزيونية على
قناة “أو. تي. في”، فأشارت بوضوح – لا سيما عندما تناولت ملف مصرف لبنان
والتعيينات فيه – قائلة ما يفيد إن رياض سلامة خط أحمر. فيما الرسالة كانت
قد تضمنت تمسكاً بمحمد بعاصيري في موقعه.
واعتبرت السفيرة في إطلالتها التلفزيونية أن التعيينات يجب أن تشمل أشخاصاً موثوقين من المجتمع الدولي المالي، أي بعاصيري من دون أن تسميه. عندها بدأ البحث عن صيغة لحفظ ماء الوجه مع بعاصيري. فاقترح أن يعين رئيساً للجنة الرقابة على المصارف، في حال لم يعين مجدداً في منصب نائب حاكم مصرف لبنان.
المدن