خميس يرفع الصوت محذّراً: التوفير الفعلي بوقف السرقة لا من حقوق الموظفين
ها هو الموظف اللبناني في الواجهة مجدداً، وكأن العجز في الدولة اللبنانية سببه الوحيد والأوحد هو إستشفاء وتعويضات نهاية الخدمة ومستحقات الموظف في القطاع العام، متناسين ما يحصل من تهريب وإنفلات وإحتكار وفساد، لتأتي العديد من مواد مشروع موازنة 2021 وتمسّ حقوق هؤلاء، الأمر الذي دفع بالكثيرين الى رفع الصوت ومنهم المدير العام لتعاونية موظفي الدولة الدكتور يحيى خميس.
ففي هذه الموازنة يتم تصوير المشكلة المادية في الدولة وكأن سببها رواتب الموظفين في القطاع العام والمعاشات التقاعدية للمتعاقدين، وهو الأمر غير المنطقي وغير المدروس، كما يعتبر خميس، مشيرا الى أن هناك التفافاً على مكتسبات الموظفين عمره سنوات.
وقال خميس في حديثٍ لجريدة “الأنباء” الإلكترونية: “تم التواصل معي من قبل وزارة المالية وأبديت عتباً وإمتعاضا من عدم إستشارتنا من الجهات المعنية، وعلى عدم بناء القرارات على أسس موضوعية وفق أرقام حقيقية ودراسات تساهم في اتخاذ القرار الصحيح”، متسائلاً: “هل يا ترى التخفيض من درجة الإستشفاء من الدرجة الأولى الى الدرجة الثانية لموظفي الفئة الثالثة، سيوفر فعلاً على خزينة الدولة بما يستحق كل هذا العناء؟ هل هذا الوفر يستحق الضرب للموظفين معنوياً ومادياً؟”.
ولفت خميس إلى أنه بعد إعداد الدراسات تبين ان المبلغ الذي يمكن أن يتوفر نتيجة تحويل الموظفين من الدرجة الأولى للدرجة الثانية بأحسن الحالات يؤمن نصف مليار ليرة تقريباً في السنة، وبالتالي هذا الأمر لا يستحق هذه الخضة وتهديد موظفي الفئة الثالثة. وأشار خميس إلى أنه “بعد شرح هذا الواقع والتداول بالتفاصيل أعتقد أنهم إقتنعوا وأنه سيصار الى حذف المادة 105 من مشروع الموازنة”.
وفيما يتعلق بالمواد الأخرى في الموازنة موضوع الاعتراض، أوضح خميس ان “المادة 106 مثلاً التي لها علاقة بدخول موظفي الدولة حديثاً الى الوظيفة العامة من خلال عقد، حسب مشروع الموازنة، حيث يصبح التعامل معهم مثل المستفيدين من الضمان الإجتماعي، وبالتالي هذه المسألة فيها ضرب لكل المكتسبات التي حققها الموظفون طيلة عقود من الزمن، وعند الدخول بعقد سيهدد الموظف بتقاعده، أي سيلغى النظام التقاعدي، وهذه مسألة خطيرة وليست بهذه البساطة، وهذا الأمر، إذا حصل، سيؤثر على الإستقرار المادي والنفسي للموظف، وعلى التقديمات التي يحصل عليها، كما أنه قد يضعه تحت رحمة وإستنسابية المسؤولين عنه”.
وأضاف خميس: “أما بالنسبة للمادة 107 والتي تتناول موضوع توريث المعاش التقاعدي، وتحديداً لإبنة المتقاعد المتوفي، إذا كانت عزباء أو مطلقة او عاطلة عن العمل، حيث سيتم تخفيض نسبة هذا المعاش التقاعدي الى 40% على أن لا يقل عن الحد الأدنى للأجور، فبناءً على أية دراسات ومعطيات تم إختيار هذه النسبة؟”، مستطردا “أنا أعرف أن هناك معاشات تقاعدية كبيرة جداً في مكان ما مثل معاشات النواب وكبار الضباط والمدراء العامين، وهناك بعض الورثة يستغلون هذا الوضع ويمتنعون عن العمل للحصول على المعاش التقاعدي الذي سيرثونه عن أهلهم، ولكن علاج هذا الأمر لا يكون عبر هذه الطريقة، انما علاجه يكون بوضع ضوابط بحد أدنى للمعاش التقاعدي الذي يمكن ان يوّرث للفتاة وحد أعلى لكي لا نترك المجال لأحد أن يستغل حجم هذا المعاش التقاعدي، لكي يذهب الى أمور غير مرغوب بها، فمن حق الفرد أن يختار إذا كان يريد أن يعمل أو لا لكن من غير المقبول أن يتوقف عن العمل فقط من أجل الحصول على المعاش التقاعدي للأهل”.
وحذّر من أن “إلغاء النظام التقاعدي لمن سيدخل الى الوظيفة العامة، المزمع تطبيقه حسب المادة 106، في حال إقرار مشروع الموازنة كما هو، ومعاملة الموظفين كمتعاقدين وكمنتسبي الضمان الإجتماعي، من شأنه أن يحجّم دور مجلس الخدمة المدنية وقد يؤدي الى الغاء التعاونية اذا ما أُلغي دورها”.
ولفت خميس الى أن “هناك مواد عدة لها علاقة بالتقديمات، برأيي كان على من يدرس مشروع الموازنة أي المعنيين، أن يقوموا بدراسة الموضوع بعمق وأن يأخذوا وقتهم وأن يستشيروا الجهات المعنية كلٌ حسب إختصاصه، لكي يعرفوا أين هناك إمكانية للوفر وما هي إمكانية التعديلات التي يمكن أن تحصل وليس عشوائياً”.
ورداً على سؤال عن تكبد المواطن لتكلفة الفواتير الاستشفائية وفق سعر صرف السوق السوداء، قال خميس: “بالنسبة الى تعاونية موظفي الدولة فيما يخص الإستشفاء والعلاقة مع المستشفيات والتقديمات، أولاً التقديمات لدى التعاونية لا زالت كما هي، لم نتراجع أبداً بالنسبة لحجمها وبالنسبة للسرعة في إنجاز معاملات المستفيدين وإعطاء المستشفيات حقوقها المادية، فبالعكس نحن نعمل بوتيرة سريعة لم نعطل ولا يوم خلال هذه الفترة، للأسف هناك الكثير من المستشفيات تأخذ فروقات كبيرة من المرضى خاصةً مرضى الكورونا، وليس لهم الحق أن يتعاطوا بهذه الطريقة وأنا أرسلت إنذارات خطية للمستشفيات التي تقوم بأخذ فروقات كبيرة تحت حجة أن الدولار في السوق السوداء مرتفعاً”، مؤكداً أننا نعيش بأزمة كبيرة وبحاجة لعلاج جذري.
وأضاف: “لدينا أزمة مالية في البلد، فالبلد مفلس ونعمل بالموجود بموازنات موجودة بالليرة اللبنانية على سعر الصرف الرسمي، موازنتنا لا زالت كما هي ولكن الأعباء كبيرة أمامها”، لافتاً الى أنه “إذا تم رفع الدعم عن الدواء بشكل عشوائي فهناك كارثة لأن موازنة التعاونية بأكملها تصبح لا تكفي ثمن الأدوية للمستفيدين فماذا يبقى للإستشفاء؟”.
وتوقع خميس ألا يمر هذا المشروع، لمعارضته الكبيرة من قبل موظفي القطاع العام والقوى العسكرية وأساتذة الجامعة اللبنانية، بحيث لا يجوز تصوير أن الأزمة المالية ستحل من خلال قضم مكتسباتهم. فالتوفير الفعلي والكبير يكون بوقف الهدر والسرقة وزيادة إنتاجية العمل والمكننة وسوى ذلك من العلاجات الممكنة وغير المستعصية، بما فيها تخفيض الفاتورة الصحية ولكن من خلال أرقامٍ حقيقية، وإحصائيات ودراسات يمكن لنا أن نساعد في وضعها إلى جانب الهيئات الضامنة الأخرى ووزارة الصحة.
الأنباء