سيناريو وهمي لإعادة نفوذ الأسد إلى لبنان
يزداد الانقسام العربي والدولي حول الموقف من النظام السوري وإعادة التطبيع معه. وينعكس هذا الانقسام على الواقع اللبناني بتفاصيله اليومية كلها.
سيناريوهات وهمية
هناك سيناريوهات كثيرة تنسج حول مستقبل النظام السوري، وقدرته على التدخل في الشؤون اللبنانية مجدداً. فبعض المتوهمين يذهبون برهانهم إلى استعادة النظام السوري نفوذه السابق في لبنان، بناء على دعم دولي وإقليمي. فيما يعتبر آخرون أن أي محاولة لإعادة النظام إلى لبنان تندرج في خانة العمل على بلورة تصور سياسي جديد يُستمد من فكرة إخراج الأسد من الحضن الإيراني إلى الحضن العربي.
وينظر هؤلاء إلى سياق التطورات من منظور جهنمي متخيل يرتكز على تنسيق روسي – عربي، هدفه احتضان الأسد وتخفيف الضغوط الأميركية عليه، وفتح أبواب التفاوض مع واشنطن، لتعزيز وضعيته في سوريا، وحتى في لبنان. فيكون للعرب وروسيا دوراً مشتركاً في سوريا ولبنان، في ظل الكلام عن الانسحاب الأميركي. وبذلك يضمن العرب لأنفسهم حصة في سوريا، وتضمن روسيا حصة لنفسها في لبنان من خلال العلاقة بالعرب وبالنظام السوري، الذي إذا استعاد نفوذه في لبنان، يصطدم حكماً ومباشرة بالنفوذ الإيراني.
لا يمكن لوجهة النظر هذه أن تستقيم. فلا لبنان اليوم هو لبنان السبعينيات والتسعينيات، ولا الظروف الإقليمية والدولية المحيطة تتيح ذلك. ومن يقتنع بهذه الفكرة يبدو أنه غير قادر على التدقيق جيداً في تشعّب النفوذ الإيراني، الثقافي والاجتماعي قبل الجغرافي والسياسي.
وليس أسوأ من أن تغرق السياسة في الوهم. صحيح أن روسيا تتمتع بنفوذ كبير جداً في سوريا حالياً، يصل إلى حدود سيطرتها شبه الكاملة عسكرياً وعلى مفاصل القرار السوري. لكن موسكو لا تبدو قادرة على تنفيذ أي مشروع في سوريا، إذا لم يتوافر توافقها عليه مع واشنطن. ويعتبر أصحاب القراءة المذكورة أعلاه للوضع السوري أن الموافقة الأميركية على إدخال الغاز المصري والكهرباء الأردنية من مصر والأردن عبر سوريا إلى لبنان، من شأنه أن يعزز النفوذ العربي في مواجهة النفوذ الإيراني. لكن هناك من يعارض هذا التوجه، معتبراً أن هذا المشروع قد تستفيد منه طهران، على الرغم من أنه قد يكون نقطة تقاطع روسية – أميركية في سوريا، انطلاقاً من العلاقة الجيدة التي تجمع روسيا بكل من مصر والأردن وإسرائيل.
نفط وغاز واستثمارات
ومن يراهن على نفوذ روسي بقناع سوري في لبنان، يراهن على انسحاب أميركي من سوريا ومن لبنان على غرار أفغانستان. ولكن هؤلاء ينسون انعدام أي قدرة سورية وروسية على استنهاض الاقتصاد السوري واللبناني، وتوفير الاستثمارات، بدون موافقة خليجية، سعودية بالتحديد. وكذلك بدون أي اتفاق مع الأميركيين، الذين ينظرون إلى أي مصلحة في سوريا ولبنان انطلاقاً من ملفين أساسيين: أمن إسرائيل وحدودها، وترسيم الحدود وخطوط النفط والغاز.
وأبرز دليل على ذلك هو انعدام قدرة أي شركة من شركات التنقيب التي فازت بالمناقصات في لبنان، من القيام بأي عمل قبل الحصول على موافقة أميركية، تمرّ بملف ترسيم الحدود البحرية.
وهنا ثمة معلومات تفيد بأن واشنطن لا تريد استمرار كونسورسيوم شركات التنقيب عن النفط المتمثل بشركة توتال الفرنسية، وأيني الإيطالية ونوفاتيك الروسية. بل تريد واشنطن الإتيان بشركة جديدة تكون مهتمة بعملية التنقيب وإدارة الملف في البلوكات الجنوبية. وأقصى ما يمكن أن تصل إليه الأمور هو القبول باستمرار الاستثمار الروسي، من خلال شركة روسنفت، تماشياً مع المساعي الروسية لترسيم الحدود بين لبنان وسوريا
المدن