إفلاس مالي وأمني للهروب من الانتخابات.. “دعشنة” طرابلس نموذجاً
كتب منير الربيع في المدن
تفتقد السياسة في لبنان إلى عنصر المبادرة، أو القيام بالفعل الاستباقي. الجميع يرتكز إلى مبدأ رد الفعل على أحداث وتطورات تسابق الجميع. وفي مثل هذه الحالات، يصبح الخوف من الانفجار الأمني أمراً مشروعاً. فبالنظر إلى كل المؤشرات، التصدعات ستستمر إلى لحظة حصول انفجار ما، غير معروفة نتائجه ولا تداعياته. بل ويمكن النظر إلى أحداث السنة الفائتة من الاشتباكات في خلدة، أو الطيونة، أو حادثة شويا ودلائلها، بالإضافة إلى حالات الخطف، وتصاعد عمليات تهريب المخدرات، للاستنتاج أن كل هذه الأحداث تحيل لبنان إلى مصاف الدول الفاشلة. والأخطر أن تقود هذه التصدعات إلى انفجارات متتالية تكون محفزاً لتأجيل الانتخابات.
شح الأموال
الافتقاد إلى العنصر المالي مؤثر جداً على سير العملية الانتخابية. فمثلاً، واشنطن التي لم تمنح حتى الآن إعفاءً خطياً واضحاً للدول التي ستصدر الغاز والكهرباء إلى لبنان عبر سوريا، إنما ستمنح الموافقة على العقود وتفاصيلها، وليس الإعفاء المطلق. هذا سيكون له أثر على ملفات أخرى، لأن غايته منع استفادة لبنان والطبقة السياسية من تدفق الأموال، ما يطرح تحدياً أساسياً في عدم حصول الحكومة اللبنانية على الأموال اللازمة لتنظيم العملية الانتخابية.
مثل آخر في هذا السياق، أن جزءاً كبيراً من المحروقات التي يحصل عليها الجيش اللبناني هي مقدمة من قوات الطوارئ الدولية اليونيفيل. وذلك دليل على عدم تقديم الأموال لشراء هذه المحروقات. لذا لا يمكن تقديم أموال لإجراء العملية الانتخابية، إلا بحال كانت ستحصل بمعايير المراقبة والإدارة الدولية الكاملة. وهذا ما سيرفضه الأفرقاء اللبنانيون. ما سيهدد جدياً حصول الاستحقاق الانتخابي في موعده.
التهديدات الأمنية وشبح داعش
ولا شيء أفضل من الشعار الأمني للإطاحة بالاستحقاق الانتخابي. تهديدات أمنية، معطوفة على أزمات متعددة، من انعدام القدرة على توفير الكهرباء والافتقاد إلى اللوجستيات الكافية وامتناع الموظفين عن العمل..إلخ. وفي هذا السياق، لم تكن بريئة الأخبار والتسريبات الأمنية التي تتحدث عن التحاق شبان لبنانيين من طرابلس بتنظيم داعش. وقد تفتح الباب واسعاً أمام ما يمكن للبنانيين ترقبه، خصوصاً أن الأجهزة الأمنية لا تزال صامتة عن كيفية خروج هؤلاء الشبان، والذين لا يمكن لهم أن يخرجوا بهذه الأعداد من دون أن يكون ذلك عبارة عن عملية منظمة، لها أهداف متعددة لاحقاً. إذ تبقى الخشية من عودة هؤلاء إلى لبنان وتنفيذ عمليات معينة، أو نصب أفخاخ أمنية لهم، فتقع اشتباكات بينهم وبين القوى الأمنية التي ترصدهم لغاية القبض عليهم. وبذلك تسطع الأخبار حول توقيف الخلايا الإرهابية. وبمجرد الحديث عن نشاط هذه الخلايا المتجدد على الساحة اللبنانية، سيكون مترافقاً بشكل بديهي مع الحديث عن ضرورة تأجيل الانتخابات، خوفاً من حصول تجمعات واستهدافها إرهابياً.
طرابلس والسنّة
وليس تفصيلاً العودة إلى القواعد الثابتة في “دعشنة” طرابلس وشبانها. طرابلس التي أظهرت حركة ثورية لبنانية فريدة في 17 تشرين، لا بد من الانتقام منها بمفعول رجعي، وإعادة حصر المشكلة داخل البيئة السنّية، التي تعيش ضياعاً سياسياً واجتماعياً. وبالتالي، أي تفجير أو استهدافات قد تحصل في الساحة السنّية، سيكون هدفها افتداء الطوائف الأخرى، أو حجب أي احتمال لأي انفجار اجتماعي أو أمني في أي بيئة أخرى. فهكذا تتحمل التنظيمات الإرهابية مسؤولية ما يجري من تداعيات خطرة. يُعطف ذلك على واقع سياسي سيء لدى السنّة في ظل عدم إعلان الرئيس سعد الحريري عن موقفه النهائي من الاستحقاق الانتخابي، وهل سيكون مشاركاً شخصياً أم سيدير العملية من الخلف، فيما يبقى تيار المستقبل في صلب المعركة، أم أنه سيقطع أي علاقة بالاستحقاق.
هذا الضياع السنّي أيضاً، قد يُستغل في الإطار “الميثاقي”، معطوفاً على التخوف من الوضعين الأمني والاجتماعي، للدخول في نقاشات جدية حول التمديد لمجلس النواب، لأنه لا يمكن خوض المعركة الانتخابية في ظل هذه الظروف الدقيقة جداً في لبنان، بغياب تيار سياسي عريض وواسع يمثل طائفة كاملة. هنا ستدخل القوى السياسية في حوار جديد يتركز حول التمديد للمجلس النيابي، وربما التمديد لرئاسة الجمهورية، على الرغم من أن هذين الطرحين هما حتى الآن في خانة المستحيلات أو الممنوعات، لكن الضرورات تبيح المحظورات. الوصول إلى مثل هذه الإباحة للمحظورات سيكون معبّداً بالكثير من الانفجارات.