نعيم عون لـ”المدن”: سنحاسب باسيل ونؤسس لكتلة تنقذ البلد
رغم أن خلافاته مع قيادة التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل تعود إلى سنوات عدة سبقت انتخابات العام 2018، لم يقدم القيادي السابق في “التيار” نعيم عون، مع قياديين آخرين تركوا الحزب أو طردوا منه، على تشكيل حالة معارضة لخوض الانتخابات حينها. أعطوا “العهد” الذي كان في بداية تسلم سدة رئاسة الجمهورية الفرصة، لكن “العهد” وصهره جبران باسيل أضاعاها. وأتى الانهيار الشامل في لبنان ليدخل “قدامى التيار” إلى المشهد السياسي، إلى جانب قوى المعارضة، لخوض الانتخابات النيابية المقبلة. لكن نعيم عون، وهو أحد مؤسسي “التيار”، لا يخوض المعركة سياسياً ضد السلطة الحزبية، شريكة السلطة السياسية في البلد، وحسب، بل أيضاً بترشحه في بعبدا، يخوض معركة عائلية ضد عمه رئيس الجمهورية ميشال عون، وابن عمته نائب بعبدا آلان عون. ولأن معركة الانتخابات تبدو أنها مسيحية-مسيحية، وسط الحديث عن تراجع شعبية “التيار”، كان لـ”المدن” حديث مطوّل مع أحد مؤسسي “الخط التاريخي”، للوقوف عند التحضيرات للانتخابات وكيفية مشاركته مع قوى معارضة في نسج التحالفات، وإمكانيات وفرص النجاح، ومصير الحالة العونية وطبيعة مشاركتها في دعم قوى المعارضة.
يحمل عليكم البعض أن مواقفكم من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل شخصية وليست متعلقة بالملفات السياسية وكيفية إدارة البلد. كيف تفسرون هذا الأمر؟
الخلافات مع باسيل وأسبابها وتفاصيلها كانت علنية. وكنا ننبه من مسار الأمور لتدارك الأخطاء. لكن لم ينصت. ووصل بالتيار إلى المأزق والتخبط الحاليين. باتت هذه الأمور خلف ظهرنا. وأكتفي بالقول إن جبران كان يستأثر بأخذ القرار. تعامل مع “التيار” كأنه ملك شخصي له، فيما لا يوجد دولة أو حزب في العالم الديمقراطي يقوم على شخص واحد يستأثر بكل القرارات. حتى لو كان الشخص صاحب شركة لا يمكن يديرها بهذه الطريقة. وعليه تحمل العواقب.
هذا يعني أن الخلاف على الإدارة الحزبية وليس حول مشاكل البلد السياسية؟
كيفية أخذ القرار ليست أمراً ثانوياً. وعدم احترام النظام الداخلي أمر جوهري، فعلى أساسه يمكنك اتخاذ القرارات السياسية في البلد وإدارة التحالفات والمشاريع والإنجازات، والشفافية والفساد والمحسوبيات وكل شيء. الشريك له دور ويجب أن تأخذ برأيه. واحترام النظام الداخلي يشبه احترام الدستور والقانون الذي ينظم حياة المواطنين. فلو طبقت القوانين في لبنان لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم.
لكن التيار الوطني الحر حليف حزب الله، وكنتم من واضعي تفاهم مار مخايل. هل تختلفون مع باسيل بهذا الشأن؟
بالمطلق نحن مع التفاهمات بين اللبنانيين كي ننتقل بالبلد إلى مرحلة جديدة، سواء مع حزب الله أو غيره من مكونات لبنان. نعيش في هذا البلد بمكوناته مثل أي بلد فيه مشاكل، سواء كانت عرقية، إثنية، دينية، أو طبقية.
لكن الا تعتبر أن التفاهم تسبب بمشكلة تضخم حزب الله، وأن الحزب استفاد منه أكثر من البلد؟
في العام 2005 خرج السوري من البلد، وذهب الجميع إلى الاتفاق الرباعي، واعتبروا أن القرار الدولي 1559 يعالج بالداخل. وسط هذه الظروف أتى التفاهم. قلنا إن معالجة مشاكلنا الداخلية وتحديداً السلاح لا تتم إلا بالحوار. هل نحل موضوع السلاح بالقوة؟ اللبنانيون أمام خيارين: إما استخدام القوة أو الحوار. من يريد نزع السلاح بالقوة يتفضل ونمشي خلفه. ثمة تلاعب باللبنانيين: القوات اللبنانية في يوم تكبِّر وتضخِّم حزب الله ودوره وأنه سيأكل البلد، وفي يوم آخر تعتبر أنه عاجز، وأن المئة ألف مقاتل والمئة ألف صاروخ لا تسمح له حتى أن ينتزع قاضياً من منصبه. عليهم أن يقرروا ويرسوا على بر. هل الحزب يحكم البلد لوحده أم هو عاجز؟ هاتان اللغتان تدلان على شيء واحد: الجميع يريد استنهاض شارعه فحسب. القوات مستفيدة والحزب مستفيد ويلعب معهم بالمقلوب. تراهم بالمجلس النيابي متفقين وبالتحاصص متفقين، والبلد يدفع الثمن.
أكرر، التفاهم ضروري لكن يجب أن يوضع على أسس لحل مشكلات البلد. فحول موضوع السيادة الكون كله، وحتى حزب الله، يعترف أن السلاح يسبب مشكلة للبلد ويخلق ازدواجية مع السيادة والشرعية. لكن سلاح حزب الله تعاظم بعد اتفاق الطائف والحروب التي شنت على البلد، وبالتسويات التي حصلت. تسلسل زمني طويل أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم.
يجب أن يكون لدينا ذاكرة للتعلم من التجارب. بعد العام 2005 الخبث السياسي والمصالح الشخصية للجميع، وعدم قدرة حزب الله على إدارة اللعبة الداخلية واستخفافه بالتوازنات، والتناقضات الدولية والإقليمية، ومشاركة الجميع بالتسويات أوصلت السلاح إلى ما هو عليه. لماذا مشوا بالتسويات إذا كانوا منزهين؟ في الحقيقة، هم ساعة يتفقون وساعة يختلفون. شعبوية ومصالح ضيقة. خذ على سبيل المثال باسيل، يقول أن فلاناً فاسد ويملأ الكون ضجيجاً: لماذا شاركتهم بالفساد وجلست معهم ولعبت اللعبة عينها معهم؟ لماذا لم ترفض؟ الشراكة الوطنية شيء والفساد والمشاركة به شيء آخر. الجميع تعاونوا وتشاركوا وصمتوا عن استعمال السلاح لصرف النفوذ السياسي، ووصلنا إلى الأزمة الحالية.
ألا يوجد تباينات أو خلافات بين قوى المعارضة حول كيفية مقاربة سلاح حزب الله؟
لا يوجد خلافات بين المعارضة على معضلة السلاح. الجميع متفق على مبدأ السيادة وحصرية السلاح وقرار الدولة اللبنانية بالسلم والحرب. لكن السؤال هو حول كيفية الخروج من المأزق. هل بالقوة أو بالحوار؟ من يريد استخدام القوة يتفضل ويحل المشكلة. ومن يقول بالحوار عليه أن يضع أسس لتأمين الثقة المتبادلة بين اللبنانيين، ووضع قواعد وأسس لبناء الدولة ومستقبل البلد.
اعتقد أن الأزمة الحالية التي نعيشها تشكل فرصة للجميع. فهي غير مسبوقة، ولم يعد حتى من أوكسيجين كي تستمر الطبقة السياسية الحالية بالزبائنية المعتادة. البقرة الحلوب لم ينشف ضرعها وحسب بل ماتت. ولبنان الجديد له فرصة بأن يولد وهذا ما نعمل عليه اليوم. لذا نقف مع من يريد الإصلاح وتطوير البلد وبناء دولة القانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية ودولة المواطنة والخروج من الطائفية السياسية.
ألا تعتقد أن المعارضة منقسمة على الخيارات والتحالفات؟
معيب ما يحصل بين قوى المعارضة. ثمة مثل يقول: إذا كان أحدهم يحرق بيتك يجب أن لا تتصارع معه قبل إطفاء الحريق. البعض لا يدرك أن خوض المعركة يجب أن تكون مصوبة لإدارة الأزمة الحالية ووفق جدول له أولويات. فلا يمكن للبعض تحميل شخص ما مسؤولية ما ارتكبه أخوه أو والده أو أي شخص آخر غيره. يجب ألا يؤخذ أحد بجريرة أحد. لا يمكن أن يدعي البعض أنه قائد التغيير ولا يغير بحاله. لا يمكن أن تبشر بالتغيير وأنت ثابت مكانك. ترفض الآخر وتريد للناس أن تصوت لك. هناك نهج خاطئ وكل من يريد أن يغير مرحب به. الانتخابات باتت على الأبواب ولا يمكن أن نبقى في المراوحة الحالية، ورفض هذا الطرف أو الآخر والعودة إلى مشاكل الحرب الأهلية. البعض أحرق سنتين بعد الانتفاضة ولم يشكل جبهة موحدة للمواجهة السياسية. لكن لا يمكن أن نقف عند رغبات ونزوات ومصالح البعض. هذا البعض الذي يقف ضد التوحد وتكوين جبهة معارضة موحدة ربما يتصرف عن سوء نوايا. وهذا يضع علامات استفهام كبيرة.
مواقفنا كخط تاريخي معلنة منذ أكثر من سبع سنوات. عندما دخل لبنان منذ العام 2019 في الأزمة نصحنا المعارضة بأن تشكل قيادة جماعية كي نعمل لمستقبل البلد. فنحن نؤمن أن كل قوى المعارضة عليها إعادة النظر بالأداء السياسي لنبني لبنان الجديد. فنحن في خضم أزمة ويجب أن نتفق حول كيفية معالجة الأمور الأساسية وليس البحث بتاريخ الحرب اللبنانية واستنهاض العداوات. نحن في حريق يأكل كل شيء وبات المواطن غير قادر على الحياة. نريد أن نبقى أحياء قبل البحث في كيفية تنفيذ مشاريعنا الخاصة. لا أحد يحتكر الوطنية في لبنان. حتى المواطن الذي يقترع ضدنا هو شريك في البلد ونتوجه إليه كمواطن. أما الطبقة السياسية فتتحمل المسؤولية وعليها أن تدفع الثمن.
هل تتفقون مع جميع مكونات المعارضة من حزب الكتائب إلى الشيوعي والتنظيم الناصري والشخصيات المستقلة؟
علاقاتنا جيدة مع الجميع. قد نختلف في كيفية إدارة الانتخابات، لكن التواصل مع الجميع. لسنا متطرفين لا يساراً ولا يميناً. نحن معتدلون ليس بالمعنى الطائفي بل سياسياً. لا يختلف التطرف في رفض الآخر بين المدني غير المسلح ومن يحمل السلاح. نحن في أزمة ونشارك مع الجميع كي نؤسس لكتلة سياسية تنقذ البلد. أي طرف لوحده لا يستطيع أن يفعل أي شيء. لذا نساهم في هذه الورشة لوضع مدماك للمرحلة المقبلة.
يقال إن المعركة الانتخابية مسيحية بالدرجة الأولى. ما رأيك؟
غير صحيح. في بداية كانت الأمور تظهر على هذا النحو. لكن حجم الانهيار في البلد وكمية الأخطاء وحتى الجرائم المرتكبة جعلت المعركة عابرة لكل الطوائف. وتطور الانهيار المالي والاقتصادي وضع كل الشعب اللبناني في خندق واحد. هناك تراجع عند كل الطبقة السياسية وفي كل الطوائف بسبب سوء إدارة الملفات. فعند الشيعة يوجد امتناع كبير عن التصويت لأن الثنائي الشيعي يتحمل مسؤولية فيما وصل البلد إليه. ولم يعد يقبض الشيعة مقولات أن الحق على الغريب والخارج والمؤامرة. أما عند السنّة فما يقال عن “الإحباط” يجب ألا ينطلي عليهم. وضع السنّة دستورياً وديموغرافياً جيد، لكن لديهم أخطاء ارتكبتها القيادات في كيفية إدارة اللعبة. والحل يكون بتجديد القيادات، وعدم السير وراء القائد حتى لو أرسلنا إلى القبر. ودرزياً أيضاً هناك امتعاض وتراجع بالشعبية، وأوصلهم أداء القيادة إلى الهجرة وأصبحوا أقلية الأقليات ومهمشين.
أما الشارع المسيحي فمشى مع ميشال عون سابقاً. لكن الناس تريد الغد لا البكاء على الماضي. لا يمكن أن تبيع الناس أمجاد الماضي. لقد دفع أبناء “التيار” فاتورة نضالنا السابق كي تصرف في المستقبل. وعندما أتى الغد انحرفت قيادة التيار بمسارات الفساد والمحاصصة والخطاب الطائفي والتحريض واللا توازن في العلاقات السياسية مع اللبنانيين. ضياع وإرباك وتخبط نتج عن أخطاء أوصلهم إلى ما هم عليه، بسبب اللعب بالثوابت الأساسية لوجود التيار والبلد. بينما القوات مثلاً تتنصل من مشاركتها بالتركيبة منذ العام 2005 إلى اليوم. شاركت بكل الحكومات والتسويات وانتخابات الرئاسة وها هي تتنصل اليوم. والشارع الأرمني أيضاً في مأزق مع الطاشناق ويعانون من هجرة مخيفة وامتعاض كبير سيترجم في الانتخابات. بالمحصلة كل اللبنانيين في كل الطوائف يطالبون بالتغيير.
كقيادي سابق وأحد مؤسسي “التيار”، كيف تتوقع أن يكون السلوك الانتخابي لجمهور التيار؟
جمهور التيار لبناني. تكوين “التيار” من الطبقة الوسطى والمتعلمة والفقيرة، وفيه بعض الأغنياء. جمهور التيار لا يطلب شيئاً غير أن يعيش بهذا البلد وقيام الدولة. لا يعتاش من الزبائنية السياسية. طموحه هو اقتصاد قوي واستشفاء وطبابة وعدالة وقانون. وعندما سقطت كل هذه الآمال ولم يعد حتى من بلد، وقيادة التيار مساهمة بما وصلنا إليه، بات الجمهور في مأزق. هذا الجمهور يفكر كيف يكمل حياته وسط هذه المأساة، خصوصاً أنه يعتبر نفسه مسؤولاً عن مستقبل البلد. أما من لا يزال من الجمهور مع قيادة التيار فعليه إعادة النظر بخياراته.
قام “التيار” على مبادئ وقيم مشرّفة ولا أحد يستطيع أن يغبّر عليه. لكنه انحرف بسلوكيات جبران باسيل وغيره ويجب أن يتحمل من تسبب بهذا الانحراف المسؤولية. حتى من هم داخل التيار اليوم يقولون إنه لا يمكن لأحدهم أن يأخذنا جميعنا إلى الانتحار الجماعي. ووصلنا إلى أن بيئة التيار تشكل جزءاً أساسياً من المعارضة. أما من بقي في الداخل فعليه أن يحاسب من أخطأ. وفي حال لم يستطع أن يحاسب داخل الحزب عليه أن يقوم بهذا الأمر في الانتخابات. وجمهور التيار يستطيع أن يحدث فرقاً كبيراً في لبنان. فعندما نتحدث عن تراجع شعبية التيار فهذا يعني أن الناخب سيعاقب ويحاسب من أخطأ، ويقترع للناس الذين يشبهونه. لقد دفع الجمهور فاتورة غالية كي يصل التيار إلى قوته، وقام البعض بتبذيرها.
هل ستشاركون بمرشحين في كل لبنان؟
سنشارك حيث يجب. ترشيحاتنا ستكون هادفة. حيث نستطيع صناعة الفرق ولدينا حظوظ بالنجاح سنخوض المعركة بمرشحين مباشرين، وحيث يجب أن نضحي كي تربح المعارضة سنقوم بهذا الأمر. سنساهم في المعركة حيث يجب أن نكون. لعبة عدد النواب الذي نحصل عليه لا قيمة لها. نائب بالزيادة أو بالناقص لا قيمة لها. حتى لعبة عدد النواب للمعارضة كلها لا قيمة لها. مهما كان عدد النواب المعارضين، الاختلال هو لصالح قوى السلطة. لكن في لبنان تستطيع المعارضة في لعبة التوازنات والاستحقاقات المقبلة (انتخابات رئاسية وتفاوض مع المجتمع الدولي) أن تنتج قوة وتضع ركائز للمستقبل. من هذا المنطلق تستطيع المعارضة أن تفرض نفسها في اللعبة السياسية في البلد.
المدن