بين اهل العروس وأهل العريس والعرس اللبناني
نقولا ابو فيصل*
بات من المتعارف عليه في توصيف حفلات الاعراس اللبنانية انها عبارة عن استعراض للامكانات المادية ومظاهر البذخ لكل من أهل العروس والعريس على السواء على طريقة ” شوفيني يا منيرة” لكن ماذا عن العرس اللبناني قبل الازمة الاقتصادية وبعدها ؟ وهل تبدلت العادات بعد تحول العرس اللبناني الى اسطورة من اساطير الف ليلة وليلة والافراط في مظاهر البذخ والبرستيج وناس “مش طايقة بعضها” يجتمعون ويتصورون وتنتهي الحفلة ويستمرون 355 يوماً في عرض صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي ؟والتوصيف الدقيق للعرس اللبناني : “هو عبارة عن مجموعة من البشر من مختلف الفئات العمرية فايتين طالعين متل المجانين هرج ومرج وصراخ وكأنهم في فيلم تمثيلي يكتمل مع إطلاق حمامتين في الهواء لزيادة التفاؤل”
ولعل رسالة مظفر باشا متصرف جبل لبنان في العام 1903 الى السلطنة العثمانية خير مثال على الخلل المتوارث في العقلية اللبنانية لجهة الافراط في البذخ حين كتب يقول “اننا قد رأينا في لبنان دوراً أشبه بالقصور وبذخاً طافحاً في كل مكان، ولكننا لم نر ينبوع الثروة المستفيض منه، وما ذلك البذخ الا فضلة من فضلات المال ، نرى الفضلة ولا نرى الأصل ، نرى الوجه السلبي للاقتصاد فأين وجهه الايجابي؟ كما أن البابا القديس يوحنا بولس الثاني الذي وقع على الارشاد الرسولي الموجه الى البطاركة والمطارنة والراهبات في لبنان كتب لهم قائلاً “ساعدوا رعاياكم ، تخلوا عن حياة البذخ “في وقت اثارت حفلات زفاف ابناء بعض رجال السياسة اللبنانية الجدل في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية التي يعيشها المواطن اللبناني من فقر وجوع وحرمان حيث تخطت تكاليف بعض مناسبات الزفاف مبالغ خيالية في احد اهم الفنادق الفاخرة في بيروت وباريس وغيرها.
وقد تكون جائحة كورونا والازمة الاقتصادية ساهمتا في غياب مظاهر البذخ والإسراف في الأعراس اللبنانية نسبيًا وهذا من حسنات الازمات ، ولو تفحصنا قليلاً في كلمات الكاتب الاميركي هنري دايفيد ثورو حين قال ” أن الغنى ليس في ما نملك بل في ما نحن قادرون على الاستغناء عنه” لوجدناها مهمة للتأمل ومراجعة الذات في هذا الوضع الاقتصادي الحالي في لبنان حيث تعاني شرائح كثيرة من صدمة انهيار “مقدسات” البذخ الاجتماعي في المناسبات الاجتماعية ، كما ارى شخصيًا ان الزواج المدني في لبنان هو طريقة غير مباشرة لمحاربة كل هذه العادات البالية الموروثة ،لكن كيف تسير هذه الحرب وما هو احتمال أن ينتصر محاربوها؟
من سلسلة كتب “عن لبنان لماذا اكتب” جزء ٤