«كارثة» إنسانية في درعا.. وخطة أميركية «عازلة»
«كارثة” إنسانية هذا هو العنوان الذي وضعته الأمم المتحدة للمأساة التي يعيشها مئات الآلاف من المدنيين في جنوب غرب سوريا ولا سيما في درعا وقراها التي تتعرض لأبشع أنواع القصف والتهجير القسري، حيث تسربت تفاصيل عن خطة أميركية تتناول «منطقة عازلة» جنوب البلاد سيطرحها الرئيس دونالد ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في القمة التي ستجمعهما في هلسنكي الشهر المقبل، ويمثل «طرد إيران» صلب تلك الخطة تمهيداً لانسحاب أميركي من سوريا.
فقد حذّر المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة من «كارثة» ستقع على المدنيين العالقين في مدينة درعا من جراء القصف الجوي على المدينة ونواحيها.
وقال زيد رعد الحسين إن المدنيين السوريين هم عرضة للاستغلال من كل الأطراف ولا سيما النظام السوري وكذلك تنظيم «داعش» المتطرف في جنوب سوريا حيث يشن جيش النظام السوري منذ ستة أيام هجوماً أوقع عشرات المدنيين قتلى، وحيث أجبر القصف الجوي الذي يُنسب إلى روسيا حليفة النظام أكثر من 66 ألف مدني على الفرار من محافظة درعا بحثاً عن الأمان في حين يختبئ الباقون في الأقبية، لكن من يحاولون الفرار يُطلب منهم دفع المال لعبور حواجز جيش النظام، في حين يمنع مسلحو تنظيم «داعش» المدنيين من المغادرة، بحسب بيان صدر في جنيف.
وأضاف بيان المفوض الدولي أنه «مع تكثف المعارك هناك خطر كبير في أن يعلق الكثير من المدنيين» بين المتحاربين. وقال إن لديه معلومات مفادها أن «المدنيين في الأيام الأخيرة اضطروا لدفع المال لعبور المناطق التي يُسيطر عليها الجيش في جنوب شرق درعا وغربها وفي منطقة السويداء». وأضاف «لدينا أيضاً معلومات مفادها أن مسلحي «داعش» في مناطق وادي اليرموك يمنعون المدنيين من مغادرة المناطق التي يسيطرون عليها». وقال إن المدنيين لا يزالون «مرتهنين لدى كل الأطراف».
وذكر بأن القانون الدولي ينص على أنه يتعين على المتحاربين «بذل ما بوسعهم لحماية المدنيين» و«مساعدة من يرغب في الفرار» من ساحات القتال.
وأشار البيان إلى أنه يملك إثباتات على مقتل 46 مدنياً على الأقل منذ بداية المعارك في 19 حزيران الحالي، ولكن يتحدث المرصد السوري عن 96 قتيلاً. وتابع البيان الدولي أنه بعد الغوطة الشرقية باتت الآن «منطقة خفض تصعيد أخرى تحت تهديد حدوث مجازر بحق المدنيين (..) يجب أن يتوقف هذا الجنون».
وتحتدم المعارك حالياً في درعا ونواحيها حيث سقط عشرات المدنيين قتلى بقصف جوي بالبراميل المتفجرة، إذ سيطرت قوات النظام والميليشيات الداعمة لها على عدد من البلدات المهمة ووصلت الثلاثاء إلى ضواحي المدينة.
وتجمّع أكثر من 150 ألف نازح من بلدات ريف درعا جنوبي سوريا، قرب الحدود الأردنية المغلقة والشريط الحدودي قرب الجولان السوري المحتل.
وقال عامر أبازيد مسؤول الإعلام في الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) في درعا، إن «أكثر من 150 ألف هربوا من القصف العنيف للنظام السوري وحلفائه على مدن وبلدات ريف درعا ولجؤوا إلى السهول القريبة من الحدود الأردنية».
وأشار أبازيد إلى أن «معظم النازحين تجمعوا قرب الحدود الأردنية في بلدات غصم ونصيب والندى والسهول المحيطة، مشيرين إلى عدم تمكن النازحين من العبور إلى الأردن بسبب إغلاق سلطات هذا البلد للحدود». وأضاف: «وتجمع عشرات الآلاف من النازحين في بلدات بريقة والرفيد والسهول على الشريط الحدودي مع الجولان المحتل».
ونقلت «الأناضول» عن مراسلها قوله إن عشرات النازحين خرجوا في مظاهرة قرب الشريط الحدودي مع الجولان. وحمل النازحون لافتات تُطالب بحماية دولية ومناطق آمنة وتعتبر أن «إغلاق الحدود بوجه النازحين جريمة إنسانية».
وتشهد درعا منذ أكثر من 10 أيام، هجوماً جوياً وبرياً مكثفاً من النظام وحلفائه، حيث تقدمت قوات النظام والميليشيات الموالية لها بريف درعا الشرقي، وسيطرت على بلدتي بصرى الحرير وناحتة بريف درعا الشرقي. وذكرت وسائل إعلام موالية للنظام أن هناك معارك مع المعارضة المسلحة في بلدة الحراك جنوب غربي البلاد، بينما تتواصل الغارات الجوية على المنطقة مُتسببة في مقتل العشرات.
وتتجه بلدات عدة في محافظة درعا إلى قبول المصالحة مع النظام السوري، حسبما أفاد مصدر عسكري.
وأكد المرصد السوري أن مفاوضات تجري في بلدات عدة من محافظة درعا بين عسكريين روس والفصائل المعارضة للتوصل إلى تسويات.
ومنطقة الجنوب الغربي هي ضمن مناطق «خفض التوتر» التي اتفقت عليها العام الماضي الولايات المتحدة والأردن وروسيا الحليف للرئيسي للنظام السوري.
وكانت الولايات المتحدة حذرت من الهجوم على المناطق المتفق على حفض التوتر فيها، ولكنها لم تتخذ أي إجراء ضد الغارات الجوية المتواصلة على الجنوب الغربي.
وفي السياسة، تناول الرئيس الأميركي دونالد ترامب ملف الجنوب السوري في حوار خاص جمعه مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في البيت الأبيض الأسبوع الجاري.
وكشفت مصادر ديبلوماسية مطلعة على الجلسة التي جمعت الزعيمين أن ترامب أعاد طرح ملف سحب القوات الأميركية من سوريا، كما تناولا الملف السوري بشكل معمق وعبّر ترامب عن ثقته بإمكانية التوصل إلى اتفاق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول ما يُسمى بـ«مناطق عازلة» جنوب غرب سوريا، الأمر الذي سيتيح الفرصة لانسحاب أميركي بأقرب وقت.
ووفقاً للمصادر، فإن خطة ترامب ستسمح للروس بمساعدة رئيس النظام السوري بشار الأسد باستعادة أراضٍ على طول الحدود الجنوبية مع الأردن، حيث شهدت قوات التحالف الدولي معارضة مستمرة من قبل «قوات معادية مجهولة» خلال الأيام القليلة الماضية برغم اتفاق وقف إطلاق النار هناك.
وأشارت المصادر إلى أن ترامب بالمقابل يتوقع من الروس تأسيس منطقة عازلة في الجنوب الغربي لسوريا ومنع القوات الإيرانية من الوصول لها، لافتين إلى أن طرد إيران يُمثل صلب خطة ترامب للانسحاب من سوريا.
وألقت المصادر الضوء على أنه وإن وافق الرئيس الروسي على مقترح ترامب إلا أن هناك قلقاً كبيراً حيال قدرة روسيا على تنفيذ ما يقترحه الرئيس الأميركي، إلى جانب وجود علامات استفهام عديدة حول قضية اللاجئين وبقاء الأسد في السلطة.
وفي الأردن قال مصدر رسمي إن هناك تقارير مؤكدة عن التوصل إلى وقف لإطلاق نار في جنوب سوريا سيُفضي إلى «مصالحة» بين المعارضة وقوات النظام بعد أن تسببت المعارك بينهما في إثارة مخاوف من وقوع كارثة إنسانية.
وقالت جمانة غنيمات وزيرة الدولة لشؤون الإعلام والمتحدثة باسم الحكومة في وقت سابق لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) «الأردن يُرحّب بأي اتفاق للهدنة والتهدئة حفاظاً على أرواح المدنيين وخصوصاً الأطفال والنساء».
وأضافت غنيمات أن «البحث والتواصل لم يتوقفا مع جميع الأطراف لإنجاح مساعي وقف التصعيد العسكري». وتابعت قائلة إن «الأردن يرحب بأي حل لحقن الدماء وعدم تشريد المزيد من المدنيين من الإخوة السوريين».
وبينما أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس أنه سيبحث قضايا أوكرانيا وسوريا في اجتماعه المرتقب مع بوتين في تموز في هلسنكي، أعلن الكرملين أنّ «الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب سيتناولان بالتفصيل مسألة الصراع الدائر في سوريا عندما يعقدان في تموز أول قمة رسمية بينهما». وقال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين في تصريحات للصحافيين عبر الهاتف: «ما من شك في أنه سيجري نقاش تفصيلي بشأن سوريا»، مضيفاً: «سيكون هناك نقاش مستفيض شامل». تجدر الإشارة إلى أنّ ترامب سيجتمع مع بوتين في هلسنكي بعد حضور قمة قادة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي يومي 11 و12 تموز وبعد زيارة لبريطانيا. ويتيح موعد القمة للرئيس الأميركي حضور حفل ختام كأس العالم لكرة القدم يوم 15 تموز في روسيا.
تزامناً، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مقابلة صحافية أنّ موسكو تدعم الأسد لا لأنه يعجبها بل لدفاعه عن سوريا والمنطقة برمتها من الإرهاب.
وقال لافروف في مقابلة مع «القناة الـ4» البريطانية: «روسيا لا تتعاطف مع أحد، ولا يستخدم في الديبلوماسية والسياسة مبدأ يُعجب أو لا يُعجب، هذا المصطلح يتناسب فقط في العلاقات بين الأشخاص». وأضاف أن «الأسد يدافع عن سيادة بلاده وأراضيها وبعبارات أوسع كل المنطقة من الإرهاب، الذي كان في أيلول من العام 2015 على بعد أسبوعين من السيطرة على دمشق» حسب تعبيره. وشدد لافروف على أن مسألة بقاء الأسد في السلطة «من الضروري أن يحلها الشعب السوري».
(أ ف ب، رويترز، سي إن إن، بي بي سي، السورية.نت، روسيا اليوم، المستقبل)