كتب نقولا أبو فيصل “بين الوحي والإلهام والرؤيا وخلاص العالم” !
جاء في الكتاب المقدس ” كل الكتاب هو مُوحى به من الله” (2تي 16:3) وهذا التعبير هو يوناني الاصل “ثيوبنوستوس” ويعني الذي يتنفس من الله، ومنها “ثيوبنوستيا” الوحي الالهي أو أنفاس الله ، فالكتاب المقدس هو نسمة من الله نفخها في قلوب الكتَّاب، لذلك يدعو الآباء القديسون الانجيل بأنفاس الله، وقد شَرح قاموس “وبستر” الوحي بأنه ” هو تأثير روح الله الفائق للطبيعة على الفكر البشري الذي به تأهل الأنبياء والرسل والكتبة المقدَّسون لأن يقّدِموا الحق الإلهي بدون مزيج من الخطأ “، وجاء في قاموس “شامبرز ” عن الوحي “أنه التأثير الإلهي الذي بواسطته أُرشد الكتبة القديسون”. ونجد الوحي في المسيحية بإختيار الله لبعض القديسين وقيامه يتحرِيك قلوبهم للكتابة، وقد أمرهم مباشرة كما قال لموسى “اكتب هذا التذكار..” (خر 14:17) وقال لأرميا “خذ لنفسك دَرْج سفر واكتب فيه كل الكلام الذي كلمتك به”. (ار 2:36) كما ترك الله للكاتب حرية اختيار الألفاظ والأسلوب والكلمات،
لذلك نجد الأسلوب يختلف من كاتب لآخر، ولكن بدون أي تناقض أو تضارب بل في انسجام كامل وتوافق تام ، وفيما كتب داود النبي بلغة الراعي، كتب سليمان بلغة الحكيم، وكتب بولس بلغة الفيلسوف وهكذا ..كما نلاحظ أن الكاتب كان أثناء الكتابة تحت هيمنة وسيطرة روح الله الذي حفظه وعصمه من الخطأ أثناء الكتابة ، كما كشف روح الله للكاتب ما خُفي عنه مثلما كشف لموسى عن أيام الخليقة. والوحي لا يتقيَّد بلغة معينة إنما يستخدم اللغة التي يستخدمها الشعب، فعندما كانت لغة شعب الله هي اللغة العبرية جاءت كتابات العهد القديم بهذه اللغة، وعندما بدأ الشعب يتكلم الآرامية جاءت بعض الكتابات بالآرامية. كما كانت تقرأ الأسفار المقدسة بالعبرية وتترجم فورًا للآرامية، ثم ظهرت ترجمات مكتوبة بالآرامية دُعيت “بالترجوم” ، وكُتِب العهد الجديد باللغة اليونانية التي كانت سائدة انذاك ، وهكذا فإن الوحي لا يتمسك بلغة معينة ولا يفضل لغة على أخرى، لذلك أوصى المسيح تلاميذه أن يذهبوا ويكرزوا للعالم أجمع وأعطاهم أن يتكلموا بلغات مختلفة،
وفي قراءة للفارابي عن الالهام فإنني وجدت أنه استطاع أن يمنحه دعامة فلسفية وأثبت لمنكريه أنه يتفق مع مبادئ العقل ،وقد ظهر جلياً في كتاباته أن لا فرق عنده سواء كانت المعلومات مكتسبة بواسطة الفكر أم الخيال ما دام العقل الفعال هو مصدرها جميعاً، وحسب رأيه فإن قيمة الحقيقة لا ترتبط بالطريق الذي وصلت إلينا منه بل بالأصل الذي أخذت عنه ؛ على أن الفارابي بعد أن فرق في كتابه: “آراء أهل المدينة الفاضلة” بين النبي والفيلسوف من ناحية الوسائل التي يصلان بها إلى المعرفة ، لكنه عاد فقرر في مكان آخر أن الاثنين متساويان ويمكنهما أن يعرجا إلى مستوى الكائنات العلوية بواسطة العقل ، وعن الرؤيا بالخلاص نورد ما دوّنه القديس يوحنا كاتب سفر الرؤيا حين كشف لنا الدهر الآتي وحدثنا عن الحياة التي لا تنتهي واليوم الذي لا يعروه مساء، والسماء الجديدة والأرض الجديدة ، وفي مقالة للمطران ابراهيم ابراهيم عن نهاية العالم نشرها في العام 2000 حين كان راعيًا لابرشية كندا كتب يقول إن ما خلقه الله بمحبته وما أتى به من العدم الى الوجود لا يعود الى العدم . “ها أنذا أَصنعُ كل شيء جديدا” (رؤيا يوحنا 21: 5). وسلام المسيح معكم جميعاً !
بحث نقولا ابو فيصل