
كتب نقولا أبو فيصل “الكوسة من أبواب القاهرةإلى أبواب الدولة اللبنانية


في عهد المماليك، كانت أبواب القاهرة تُغلق ليلًا، ولا يُسمح بدخول أحد، إلا لتجار الكوسة لان هذه الخضروات هي سريعة التلف. فكان التاجر يصرخ: “كوسة!”، فيُفتح له الباب فورًا دون تحقيق أو مساءلة. من هنا وُلد تعبير في مصر “دي كوسة؟”وصار في الثقافة المصرية مرادفًا للواسطة ولتجاوز القوانين ولمن يمر دون حسيب أو رقيب . اليوم، وبعد اكثر من خمسمائة سنة تبدو الكوسة مرادفاً للفساد في بعض دوائر الدولة في العالم العربي اجمع ، ولا يزال كثيرون من أزلام السلطة البائدة يعملون لسرقة حقوق المودعين وتقاسم الغنائم باسم الطائفة أو الحزب أو المحسوبيات.

في لبنان يُقصى المستحق، ويُكافأ القريب، وتُغلق الأبواب أمام الكفاءات إلا من يملك كلمة السر: “أنا محسوب على الزعيم”. في لبنان، لا تزال أبواب الوظيفة تُفتح للكوسة، وأبواب القضاء تُغلق بوجه المظلوم، وأبواب العدالة تُكسر تحت أقدام “أصحاب الحظوة”. وفي كل وزارة ودائرة، وكل صفقة، هناك من يرفع صوته: “كوسة!”… فتُمرر التعيينات، وتُصرف الاعتمادات، وتُطمس الفضائح.
الشعب يدفع الثمن، من حقوقه، من تعبه، من سنين عمره. الفساد لم يعد خفيًا، بل صار بنظام، وبـ”تقنيات متطورة”، وبجداول رسمية. ما نشهده ليس مجرد محسوبية، بل منظومة متكاملة تبتلع البلد… وتتبرأ منه.
والسؤال متى نغلق الأبواب بوجه الكوسة ونفتحها فقط بوجه الكفاءة والحق؟ وهنا نصرخ، لا تشوهوا سمعة العهد الجديد الذي طالما حلمنا بوصول قائد فذ من طينة الرئيس جوزاف عون ، نكتب لنوقظ الضمير: “مش كل شي كوسة!”
نقولا ابو فيصل كاتب وباحث وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين
www.nicolasaboufayssal.com