كتب نقولا أبو فيصل “الارمن في لبنان رأس مال بشري مبدع” (جزء١)
من كتاب “ارمينيا موت وحياة تتجدد”
Armenia death and life renewe
بعد المجازر التي ارتكبت بحقهم في العام ١٩١٥ وصل بعض الاخوة الارمن الى لبنان وسكنوا مدينة بيروت والمناطق المحيطة بها من برج حمود وكورنيش النهر ، المكلس ، الدورة وصولاً الى انطلياس والزلقا ، كما سكنوا مدن جونيه، غزير، جبيل، البترون، طرابلس، زغرتا ، صيدا ، صور ، زحلة ، بكفيا وضواحيها ، رياق ، جلالا وعنجر .ولا بد من الاشادة بالدور الذي لعبه الأرمن في الصناعة والتجارة والفنون والمهن الحرة ، كالطب والهندسة والمحاماة وغيرها ، والواقع أن هذا الشعب المبدع ترك بصمة في العديد من المجالات الحياتية، لا سيما في الصناعة فمنذ وصولهم الى لبنان امتهنوا المهن اليدوية والحرفية لكنهم طوروها مع الوقت بفضل حبهم للعمل وثباتهم فيه ، إضافة إلى تأثير المعاناة ذاتها في صقل شخصيتهم وتنميتها باستمرار، ولم يكن الشعب الأرمني الا وليد هذه المعاناة ونتيجة لها.
من هنا نرى تطور صناعة الدباغة في لبنان على أيدي الارمن ، حيث تميّزوا بإمتلاكهم عشرات المعامل التي تمركزت في الدورة وكورنيش النهر وبرج حمود ،كذلك الحال بالنسبة لصناعة الاسفنج الاصطناعي في المكلس وبرج حمود ، وقد نشطت هذه الصناعة بفضل الصناعي” آرا یروانیان” ولم تقل الأدوات المنزلية أهمية عن سابقاتها، حيث تركزت معاملها في منطقة الشياح وفي المرداشة على طريق وادي شحرور . اضافة الى ذلك برع الأرمن في صناعة الاحذية وفي فن الصياغة الذي ورثوه عن أجدادهم الأورارتيين، وتفوقوا فيه على غيرهم من الصناع والتجار وعَرفت بيروت والمحافظات اللبنانية العديد من الأسماء الأرمنية اللامعة في هذا المجال ، فضلاً عن تفوقهم في الصناعات الميكانيكية ، وتصليح الساعات والنظارات والخياطة وغيرها ،أما على صعيد الطب، فقد إنخرط الأرمن منذ زمن طويل في كليات الطب في لبنان والخارج ، واتقان هذه المهنة بهدف الاهتمام برعاية صحة أطفالهم أولاً والأيتام والعجزة، كذلك الحال بالنسبة للمحاماة التي عرفت بدورها أسماء لامعة في صوغ التشريعات امثال اوغست باخوس وغيره ، كما ضمت نقابة المحامين العشرات من أبناء الطائفة الأرمنية.
والملفت ان أكثر المحامين الارمن كانوا في الوقت نفسه من رجال السياسة ،نواب ووزراء ومن أصحاب الفعاليات الاقتصادية ولديهم شركات ، وشهد العام ١٩٧٤ انضمام أول قاض أرمني في تاريخ لبنان إلى القضاء اللبناني وهو “زهراب عوازيان “وفي مجال الهندسة والزخرفة التي كانت تُعرف “فن الريازة” ، فقد أبدع الأرمن أيضاً في تخطيط الأوتوسترادات والجسور وبناء المدارس وتصميم الحدائق العامة وزخرفة المساجد والكنائس وبناء المستشفيات والمعاهد والبطريركيات وغيرها ، والجدير ذكره أن المهندس الأرمني “خسروف يراميان ” تخرّج على يديه أكثر من ألف وستمائة مهندس من طلاب الجامعة الأميركية في بيروت حيث كان يعمل أستاذاً لمادة الهندسة فيها ، ويعود الفضل الكبير له في انشاء العديد من المشاريع في لبنان مثل اوتوستراد وجسر فؤاد شهاب في شارع بشارة الخوري، ومعظم الحدائق العامة في بيروت مثل حديقة السيوفي والمصيطبة . وعلى صعيد السياسة، فقد انخرط رجالات الأرمن في الحياة البرلمانية والسياسية في لبنان منذ عهد المتصرفية وقبل عهد الاستقلال في العام ١٩٤٣ حيث عرف المجلس النيابي اللبناني عدداً من النواب الأرمن اولهم “وهرام ليلكيان” وصولًا الى فوزهم في الانتخابات الاخيرة في العام ٢.٢٢ بستة مقاعد نيابية يشغلها هاكوب بقرادونيان ، هاكوب ترزيان ، جورج بوشيكيان ، جهاد بقرادونيان ،جان تالوزيان وبوليت يعقوبيان ومقعد وزاري يشغله النائب جورج بوشكيان باعتبارهم مواطنين لبنانيين بإمتياز لهم حقوقهم وعليهم واجبات والتزامات . (يتبع)
بحث نقولا ابو فيصل