سكاف: لبنان لن ينسى أفضال الكويت ونريد انضمامَها إلى “الخُماسية”
لَعِبَ النائب سكاف على مدى أشهرِ الشغور الرئاسيّ في لبنان، ويلعب الآن أدواراً في قلْب الصورة وخلْفها، تحت الأضواء وبعيداً عنها… صاحِبُ منهجٍ، جِدّي مهجوسٌ بلبنان، يُحاوِرُ الجميعَ وغالباً ما يقول كلمتَه من دون أن يمشي. يصول في الداخل ويجول في الخارج وهَمُّهُ وقْف احتضار التجربة اللبنانية التي أَغْنَتْ الحضارة الإنسانية يوم كان لبنان أكثر من وطنٍ بل رسالة.
جرّاحُ الأعصاب والعِظام ربما يدرك أنه يتحرّك في غابةٍ من «العظم الأزرق» اسمُها «المنظومة السياسية» التي انزلق معها لبنان إلى حافة الزوال. فالبروفسور سكاف الذي مازال يزاول مهنتَه رئيساً لقسم جراحة المخ والأعصاب في المركز الطبي للجامعة الأميركية ومديراً لبرنامج العمود الفقري، بنى بالجدّ والكدّ نجاحاتٍ مهنيةً عامرةً طالتْ العديد من قادة الدول العربية والخليجية وفاعلياتها وأرستْ له علاقات ودّ وثقة.
جرّاح العمود الفقري على اقتناعٍ بأن لا صحوة للبنان من كبوته إلا بحفظ «العمود الفقري» للدولة والكيان عبر انتخاب رئيس للجمهورية. ومع حسرة هذا العالِم في شؤون المخّ وشجونه، يشعر المرء بأن أطرافاً «بلا مخ» في لبنان تعاند الإفراج عن الاستحقاق المخطوف إما لأسباب «تحت وطنية» وإما لأجندات «فوق وطنية»، في الوقت الذي تتربّص بالبلاد أخطار حربٍ قد تكون أشبه بـ «رصاصة الرحمة» على لبنان المسكون بأزماتٍ لا تُعد ولا تُحصى.
في منزله على مرمى العين من مرفأ بيروت والذي نجا من انفجاره الهيروشيميّ بفضل «الصوامع الكويتية»، التقت «الراي» النائب الدكتور غسان سكاف العائد من زيارة «مهنية» للكويت التقى خلالها وزير الخارجية عبدالله اليحيا، وأجرتْ معه حواراً تناول أدواره السرية لـ «إنتاج» مرشّحين لرئاسة الجمهورية ومقاربته لـ «القفل والمفتاح» في الاستحقاق المعلَّق ومهمة المجموعة الخماسية حول لبنان.
ويروي سكاف ما قام به من مبادرات منذ أن بدأ الشغورُ الرئاسي وكانت ترمي لتحقيق تَوافُق بين اللبنانيين لإنتاج رئيسٍ جامعٍ مع قواسم مشتركة «ولكن ما حصل أننا بدأنا بالسعي الى رئيسٍ جامع، ثم انتهينا بالركون إلى نظامنا الديموقراطي من أجل انتخابِ الرئيس بسبب عدم التوافق على اسمٍ أو على مرشّح واحد».
وإذ يحرص على التذكير بأنه «تاريخياً، نعرف أنه في لبنان انتُخب تقريباً كل رؤساء الجمهورية على وهج تدخّل خارجي، وهناك اعتقادٌ لدى غالبية اللبنانيين أن رئيس الجمهورية في بلدهم دائماً يُطبخ في الخارج، ثم يُطرح على النواب فيذهبون لانتخابه»، يشير إلى أنه «في المبادرة الأولى بدأنا نفتّش عن تَوافُق بين كل الأفرقاء، ولم نصل إلى ذلك ولا سيما أن هناك انقساماً عمودياً في مجلس النواب وتَوازناً سلبياً بين فريقيْن ما يصعّب بلوغَ التوافق».
المبادرة الأولى
ويشرح وقائع المبادرة الأولى قائلاً: «لا أخفي أننا عَمِلْنا في مرحلةٍ معيّنة على إنتاج مرشّحٍ للمعارضة، وأَخَذْنا أسماءَ مرشّحين من بكركي (مقر البطريركية المارونية) وتحت إشراف البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، وقمتُ بجولات على كل الأفرقاء من ضفتيْ المجلس من أجل الوصول إلى مرشّح. وعملياً أخذتُ 11 اسماً من غبطته، وجلتُ على المعارضة بكافة أحزابها، فكان جهاد أزعور هو الذي حَصَلَ على أكثر نسبة من التأييد. وهكذا طُرح أزعور للرئاسة، وعدتُ باسمه إلى غبطة البطريرك الذي أخَذ الاسم إلى الفاتيكان وإلى الفرنسيين وعاد بموافقةٍ على ضرورة اعتماد آلية الانتخاب كما ينصّ عليه الدستور، وطُلب من الرئيس نبيه بري فتْح المجلس، فكانت جلسة 14 يونيو التي تم تطيير نصاب دورتها الثانية مع أنه كان هناك تَعَهُّد بعدم القيام بذلك. ومنذ ذلك التاريخ إلى اليوم لم تُعقد أي جلسة انتخاب».
وأضاف: «تَعَلَّمْنا الكثير من الدروس في ضوء ما حصل على مدار الأشهر الـ 15 الماضية. وقد اصطدمنا بعدم إمكان إنتاج رئيس للجمهورية من دون مشاركة الجميع في الانتخاب، وذلك لاعتبارات ميثاقية. ومعلوم أن هناك أحادية شيعية في مجلس النواب (تجسّدها كتلتا الثنائي الشيعي، الرئيس بري وحزب الله) بحيث إنه إذا لم يشارك نواب الثنائي فسيُطعَن بميثاقيةِ انتخابِ رئيس الجمهورية».
ويشير إلى أنه «بعد حرب غزة، كنا نعتقد أن المسؤولين اللبنانيين سيعيدون اللعبة إلى الداخل وأنهم لن ينتظروا ما ستقوم به المجموعة الخماسية. ولكن العكس حصل، فجلس المعنيون في غرفة الانتظار لِما ستؤول إليه اتصالاتُ اللجنة الخماسية التي كانت تعمل على التوفيق بين الأفرقاء من أجل إنتاجِ رئيس».
مبادرة خفْض السقوف
وبناء على هذا الواقع، بدأتْ قبل نحو شهر حياكةُ مبادرة جديدة «اسمها مبادرة خفْض السقوف، أي نطلب من الجميع النزول عن الشجرة، وفيها جرى الانطلاق من مبادئ معيّنة». وعن ذلك يقول سكاف: «معلوم أن المدماك الأول في انتظام عمل المؤسسات في لبنان هو انتخاب رئيسٍ للجمهورية باعتبار هذا واجباً وطنياً على كل نائبٍ أن يلتزم به. ومن بدهيات نظامنا الديموقراطي وتوازناته عدم جواز الاستسلام لواقع تأجيل الاستحقاق الرئاسي واستسهال إدارة البلد من دون رئيس».
ويضيف: «انطلاقاً من هذه المبادئ، كان لا بد من المضيّ في البحث عن حلّ. ومن تجربتنا على امتداد الأشهر الـ 15 الماضية، وجدْنا أنه إذا لم يحصل توافق على 3 مراحل، فلن نصل إلى انتخاب رئيس.
فأولاً، علينا التوافق داخلياً على اسمٍ ثالث ليدخل السباقَ الرئاسي مع الأسماء الأخرى الثابتة. يعني، هناك المرشّحان سليمان فرنجية وجهاد أزعور، ونعرف أن أياً منهما لن يأتي رئيساً إلا بالانتخاب. وثمة أسماء فَرَضَتْ نَفْسَها وأثبتتْ أنها أيضاً في قلْب المعادلة، مثل قائد الجيش العماد جوزف عون، بوصْفها من الخيار الثالث، وقد يكون معه اسم آخَر. ويمكن أن يتم تَوافُق على أحد هؤلاء ونذهب لانتخابه. أي نسعى لأن يكون لدينا فريقان من المرشّحين الرئاسيين، فريقٌ يأتي فقط بالانتخاب وفريقٌ يأتي فقط بالتسوية».
ونقول له: أي كأن هناك انتقالاً من الخطة أ إلى الخطة ب، أي من مرشحيْن يصعب انتخابهما إلى اثنين يصحّ عليهما المرشح الثالث؟ فيجيب: «أو المرشح التوافقي».
ونستطرد: أي أنه في الجلسة لا ينزل أزعور وفرنجية؟
فيقول: «إذا وَصَلْنا إلى توافق وحصلت تسوية»، ويضيف: «لنضع اسم العماد جوزيف عون جانباً. في المبدأ، الخيار الثالث الذي نفتّش عنه، هو اسمٌ لا يصطدم بفيتو شيعي مُسْبَق. وما نعمل عليه هو طرْح خمسة أسماء على الثنائي الشيعي ممّن ينالون تأييد غالبية الأفرقاء من الضفتين، وربما يراهم الثنائي أسماء تحدّ. ونقول للثنائي لن ندعوك لأن تلتزم بواحدٍ منهم، ويمكنك أن تُبْقي على مرشّحك، ولكن نريد أن نُراعي ألّا يكون لديك فيتو مُسْبَقاً على الأسماء الخمسة التي نقترحها انطلاقاً من خطابك الذي أعلنتَ فيه أنك لا تريد رئيساً يطعن ظهر المقاومة. وارتكازاً على هذا، سنسعى لأن نصل إلى 3 أسماء مثلاً من الخمسة الذين نطرحهم ينطبق عليهم الأكثر – وفق توصيف الثنائي – معيار عدم طَعْنِ المقاومة، وأذهب بهم إلى الخُماسية فأطلب رأيها فيهم، باعتبار أننا صرنا محكومين بوجود مجموعة الخمس، ونحتاج إلى التأييد الدولي للرئيس المقبل ليكون ذلك بمثابة رافعة خارجية للبلد للنهوض من الانهيار المتمادي».
ويتابع: «لا نريد من الخماسية أن تأتي بالرئيس أو بالاسم وتفرضه، ولكن نسعى للحصول على عدم ممانعة من اللجنة لهذه الأسماء الثلاثة، تُلاقي عدم ممانعة من الثنائي المسيحي الذي يتمثّل بالقوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ، ومن الثنائي الشيعي».
ويكمل: «الثنائي الشيعي لن يستطيع الاتيان برئيسٍ لوحده، والقوات اللبنانية ولا التيار الحر يمكن لأي منهما أن يوصل رئيساً لوحده، ولكن أي التقاء بين اثنين يمكن أن يأتي برئيس. أي إذا اجتمع التيار مع (القوات)، أو الثنائي الشيعي مع (القوات) أو مع (التيار) قد يوصلون رئيساً».
ونقول له: ولكن «القوات» والتيار اجتمعا على أزعور ولم يصل؟
فيردّ: «ولكن هنا، إذا كان سيحصل توافق على الاتفاق الإطار الذي ذكرتُه آنفاً، فسيكون مشروطاً بعدم كسْر النصاب، وبحصول انتخاباتٍ بدوراتٍ متتالية حتى انتخاب الرئيس بما أن الجميع مُطْمَئنين. فإذا فازَ فرنجية نهنئه، وإذا ربح الاسم الثالث كذلك. أو إذا برزت قواسم مشتركة أدّت إلى انتخاب العماد جوزف عون، عندها لا أحد يطعن به. إذ هنا تبرز صعوبة أمام انتخاب قائد الجيش لأن هذا يحتاج إلى تعديل دستوري، وإلى 86 صوتاً في النصاب وفي الانتخاب. وهذا يعني أنه إذا قلنا لم يحصل اتفاق على العماد جوزف عون ولا على الاسم الثالث، والثنائي الشيعي متمسك بفرنجية، وغالبية المعارضة بجهاد أزعور، نذهب إلى الانتخابات بهذه الأسماء الأربعة».
«درس الحساب»
وعلى طريقة «درس الحساب» يفصّل: «إذا كان لدينا مرشّحان، ومجلسُ نوابِ مقسوم إلى قسمين، فهذا لا يُنْتِج رئيساً ولو بعد 100 عام. أما إذا كنا أمام مرشحيْن وبرلمانٍ مقسومٍ إلى ثلاثة أقسام، فهذا قد يُنْتِج رئيساً. كما أن وجود مجلس نواب مقسوم إلى قسمين مع ثلاثة مرشحين، فإن هذا يمكن أن يوصل إلى رئيس. ومن هنا جاءت فكرة مرشح الخيار الثالث، فإذا كانت هناك تسوية وتَوافُق يمكن أن يكون عليه، تماماً كما أن بالإمكان انتخابه بعد الدورة الأولى».
ويضيف: «إذا نزلْنا بالأربعة: أي جهاد أزعور، سليمان فرنجية وجوزف عون واسم رابع، فلا بد أن ينسحب أحَد للآخر، ومنطقياً الذي نال عدداً أقل من الأصوات، فنبقى أمام 3 مرشحين يُنتخب أحدُهم بعد جلساتٍ ودوراتٍ متتالية».
ونسأله: «تفتّش عن طريقة علمية لانتخاب الرئيس. وإذا كانت حساباتُ فريق مثل(التيار الوطني الحر) الرئاسية محلية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الجزء الراجح من حسابات(القوات اللبنانية)، إلا أن حسابات حزب الله أكبر وهي إقليمية وهو لديه مشروعه، وتالياً ليس بهذه السهولة يمكن أن يُنتزع منه قرارٌ بعدم المقاطعة أو تعطيل نصاب جلسة أو دورة قد تُفْضي إلى رئيس لا يريده؟».
الدكتور سكاف:«صحيح أن حسابات حزب الله إقليمية ولكنه حزبٌ لبناني. وأعتقد أنه ينبغي أن تكون لديه على الأقلّ استقلاليةُ القرار في ما خص الملف الرئاسي. وربما لا تكون لديه هذه الاستقلالية بالنسبة لجبهة الجنوب وحرب غزة، ولكن وفق التواصل معه أجد أنه يتمتّع بهامشٍ لبناني كبير في ما خص مقاربة الملفات الداخلية. ورغم أنه يتأثر بمَن يدعمه، مثل إيران، ولكننا نعوّل على لبنانية حزب الله. ومن هنا، عندما طرحتُ المبادرة على الحزب لم يكن ممانعاً أبداً، وهو يُصْغي. وحزب الله طبعاً متمسك بمرشحه، ونحن لا نمانع ذلك، ولكن نريد للعبة الديموقراطية أن تأخذ مجراها وأن يُنتخب رئيسٌ. فلبنان لم يَعُدْ يحتمل شغوراً متمادياً. وبلدنا ينتقل اليوم من الانهيار، إلى الاهتراء، إلى خطر الزوال. وفي الأعوام الأخيرة، بتْنا أمام معضلةِ نزوحٍ خارجي إلى الداخل يتمثّل في النزوح السوري، في موازاةِ نزوحٍ داخلي إلى الخارج من اللبنانيين. وهذا الخطر على لبنان يشمل أيضاً حزب الله في وجوده».
ويضيف: «أنا متمسك بالصيغة اللبنانية وبالشراكة بين المسيحيين والمسلمين. وفي رأيي أن تهميشَ المسيحيين الذي يتمثل اليوم بعدم انتخاب رئيس للجمهورية وإزاحة المسيحيين عن القرار الوطني اللبناني يشكّل خطراً على العيش المشترك، وعلى الصيغةِ التي نؤمن بها جميعاً».
التواصل مع «حزب الله»
ونسأله: متى تواصلتَ مع «حزب الله» للمرة الأخيرة وقمتَ باستكشاف مواقف الأطراف من مبادرتك الجديدة… وما الذي تحمله معك بالتحديد؟ فيجيب: «في يناير التقيتُ كل الأطراف. والآن أجتمع بكل ممثلي أعضاء اللجنة الخماسية في لبنان. وقبل زيارة الكويت كانت هناك لقاءات مع قسمٍ منهم، وبحلول الأسبوع الطالع تكون اكتملتْ الاجتماعات. ومجموعة الخمس تعمل لتأمين انتخاب رئيسٍ وتدفع للتوفيق بين الأفرقاء، ولكن اللبنانيين واكبوا تحرّكها بالجلوس في غرفة الانتظار لأنهم افترضوا أنه لن يكون لهم رئيس إلا بتدخل إقليمي أو دولي، ما جعل مَهمة المجموعة أشبه بسيف ذي حدين نتيجة سلوك اللبنانيين».
ويضيف: «يجب عدم إغفال أن حرب غزة بدّلتْ الأولويات الاقليمية والدولية، ودول مجموعة الخمس كانت تركّز على وقف النار. وفي رأيي أن هناك تفاوتاً في المقاربة بين بعض أعضاء المجموعة في ما خص توقيت انتخاب رئيسٍ للجمهورية. ففي حين كانت بعض دول الخُماسية تعمل، وهذا ما كنا نريده، لفصْل الانتخابات الرئاسية عن حرب غزة وجبهة الجنوب، هناك أعضاء آخَرون فيها، خصوصاً الأميركيون بدوا وكأنهم لا يريدون الفصل، وكانوا يقومون بمساعي إقليمية من أجل حل سياسي إقليمي يكون لبنان جزءاً منه، ومن ضمنه الملف الرئاسي. وهذا ليس خلافاً بل ربما اختلاف في المقاربة».
ونقول له «ألا يوضع ذلك في سياق الواقعية الأميركية تجاه حزب الله وقراءة الموازين الحالية لبنانياً التي لا تتيح فصل الاستحقاق الرئاسي عن حرب غزة انطلاقاً من رفض الحزب لذلك؟».
يردّ سكاف: «لمستُ مثل هذا الأمر، وعملْنا جاهدين لفصلِ، أقلّه الانتخابات الرئاسية عن حرب غزة. ويستطيع حزب الله أن يُقْنِعَني بأن جبهة الجنوب والقرار فيها ليس في يده بالكامل، ولكن لا يمكنه إقناعي بأن انتخابَ رئيس سيضرّ بمصالحه. وأنا كنتُ من الأشخاص الذين يقولون إن علينا الفصل بين الرئاسة وحرب غزة لأنني لا أريد لنتائج هذه الحرب أن تَفرض أو تُمْلي عليّ رئيسَ جمهوريةٍ يكرّس الانقسام في البلد. وفي رأيي أنه لن تنجح في لبنان إلا تجربة الرئيس الجامع. وإذا انتظرنا انتهاء حرب غزة، فهذا يعني أننا نقول إن مَن يربحها أو يفُز بالحرب في الإقليم عليه أن يستفيدَ من هذا الأمر أو يترجم هذا الانتصار بالسياسة في لبنان، وهذا ما لا نقبله وهذا ما يجب ألّا يحصل، لأنه يكرّس الانقسام في لبنان ويمكن أن يؤدّي إلى حربٍ فيه».
«الخماسية»
وهل استشْرف من اللقاءات مع ممثلي دول الخماسية في لبنان أنهم سلّموا بأن لا إمكان إلا للخيار الثالث رئاسياً؟
يقول: «ما لمستُه أن الخماسية لا تريد أن تفرض رئيساً لا يؤيّده أكثر من نصف البلد. ولذلك لم تَدخل في لعبة الأسماء. والخيار الثالث هو خيار الخماسية الذي تُرجم بعد اجتماع الدوحة وتَرْجَمَهُ الموفد الفرنسي جان – ايف لودريان في زيارته الأخيرة لبيروت، وهو الذي طرح الخيار الثالث. ومن هنا وكي لا يُفرض علينا، نسعى لأن نأتي بخيار ثالث يكون مقبولاً من كل الأطراف. وإذا لم ننجح، فيصبح هذا الخيار الثالث أمراً واقعاً، مثل خيار العماد جوزف عون الذي هو أمر واقع، وكما هو حال جهاد أزعور الذي نال 59 صوتاً (في جلسة 14 يونيو)، وأيضاً سليمان فرنجية الذي يتمسّك به الفريق الآَخر وحازَ على 51 صوتاً. وإذا وصلْنا أمام كل هذا الأمر الواقع، فلنذهب بهذه الأسماء إلى الانتخابات وهي ستُنْتِج رئيساً للجمهورية إذا التزمْنا بعدم تطيير النصاب وذهبنا إلى دورات متتالية حتى تصاعُد الدخان الأبيض».
ونسأله: لكن حتى الآن في لقاءاتك الداخلية هل لمستَ أي تجاوب من الفريق الذي يعطّل النصاب؟ يردّ: «فريق الممانعة يتجاوب، ولكنهم يقولون: لا نمانع أن تَمْضي في المبادرة ولكننا متمسكون بترشيح سليمان فرنجية. عظيم، أنا معهم، ولكننا سنرى إلى أين يمكن أن نصل في المرحلة الثانية. أي إذا كانوا متمسّكين بفرنجية، والفريق الآخَر بجهاد أزعور، ونطرح جوزف عون كخيار ثالثٍ ونطرح خيارا ثالثا آخَر، فليُفتح البرلمان ولنخُض اللعبة الديموقراطية ولننتج رئيساً، ومَن يفُز نهنئه. وأنا متأكد من أنه بعد الدورة الأولى سنبقى مع مرشّحيْن، وبالتالي في الدورة الثانية سيكون لنا رئيس».
ونقول له: «تحدثتَ في البداية عن لائحةٍ من 5 أسماء لمرشح ثالث يُراد غربلتها فتصل الى 3… أي نوع من الأسماء تحملها معك وقد تكون أوفر حظاً من جهاد أزعور مثلاً؟ فيجيب:«جهاد أزعور كان هناك فيتو مسبَق من الثنائي الشيعي عليه. ولذلك ارتأيتُ أن أقوم بهذه المبادرة انطلاقاً من أسماء أعلم أن لا فيتو من الثنائي الشيعي عليها. وربما يعود الثنائي ويقول لنا: المرشّح الثالث الذي أتيتَ به نفضّل عليه جهاد أزعور».
ونسأله: هل وصلتَ لمرحلة طرْح الأسماء، يجيب:«نعم، ولكن في هذه المرحلة لا نذكر الأسماء. أولاً هناك سرية في التعاطي مع الأسماء، كما أننا لا نريد حرْق أسماء، وأيضاً لا أريد ذكْر الأسماء الخمسة وكشْف الاسميْن اللذين لم يمرّا إذ حينها نكون نفصح عن الكثير. الغربلة بدأت، والأسماء معروفة وليست أسماء جديدة. وكما قلتُ نريد أسماء لا تثير نقزة الثنائي الشيعي ولكن في الوقت نفسه فإن مَن سيختار الاسم هو الثنائي المسيحي».
ويضيف: «هناك الكتل الصغرى في مجلس النواب. وإذا كان الثنائي الشيعي والثنائي المسيحي يشكلان تقريباً أكثر من نصف البرلمان، فإن للكتل الصغرى دوراً مهمّاً جداً، وسيكون لها الرأي الأكبر والمرجّح في تحديد الفائز بين كل المرشّحين، لأنه في أي اتجاه تذهب سيكون الفائز في ظل التوازن المعروف. يعني الكتل السنية، اللقاء الديموقراطي، الكتائب، تجدُّد، التغييريون، فهي سترجّح الفائز».
الكويت و«الخماسية»
وتحدّث سكاف، الذي زار الكويت أخيراً للمشاركة في مؤتمر دعت إليه الجمعية العربية لجراحة العمود الفقري وحضره عدد كبير من الأطباء من غالبية دول العالم وقاراته الخمس، عن أنه فور وصوله «تلقيتُ دعوةً مشكورةً من وزير الخارجية عبدالله علي اليحيا، فزرتُه في مقر الخارجية وعقدنا لقاءً إستمر لأكثر من ساعة تباحثنا خلاله في أوضاع لبنان وعلاقاته مع الكويت».
وإذ كَشَفَ عن انه طَرَحَ على اليحيا «إمكانَ انضمام الكويت إلى مجموعة الدول الخمس حول لبنان»، تمنى أن «تصبح المجموعة سداسية، لأن لهذه الخطوة أهمية كبرى لِما للكويت من علاقات مميزة مع لبنان، ولِما لها من تأثير إيجابي على دول مجموعة الخمس وبينها، ولِما لها من رؤية حيال الحلّ في بلدنا»، لافتاً إلى أن «للكويت تاريخياً أفضالاً على لبنان، بدءاً من صوامع مرفأ بيروت في العام 1968 والمَساعي الحثيثة التي لعبتْها لإطفاء حرب الـ15 عاماً في لبنان ومساهمتها الرئيسية في التحضير لإتفاق الطائف، وصولاً إلى مساعدات الصندوق الكويتي التي بلغت أكثر من مليار دولار، وليس إنتهاء بالمبادرة الكويتية في 2022 التي أدّت إلى تحسين علاقات لبنان بدول الخليج وانبثقتْ عنها اللجنة الثلاثية التي تحولت فيما بعد إلى خماسية. فالكويت هيأت لقيام الخماسية من دون أن تشارك فيها».
وفي رأي سكاف، الذي يعرف الكويت عن كثب «ان لمشاركة الكويت في الخماسية أهمية قصوى لأن هذه اللجنة لن تقتصر مهمتها على المساعدة في انتخاب رئيسٍ للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة بل تأمين الدعم المالي والاقتصادي للبنان وتشكيل رافعة للاقتصاد اللبناني»، مشيراً إلى أن«في إمكان الكويت لعب دور وسطي وتوفيقي حتى داخل مجموعة الدول الخمس، وأنا مصرّ على طرح قضية انضمام الكويت وينبغي أن تكون للبنان كلمة في هذا الصدد».
وعن الاعتقاد السائد بأنه لا بد من اكتمال النصاب السياسي من حول لبنان تسهيلاً للحلّ عبر إنضمام إيران إلى الخُماسية على طريقة 5+1، لِما لطهران من نفوذ في لبنان. يقول سكاف «إذا كان هدف الخماسية تسهيل الانتخابات الرئاسية حصراً يمكن اعتماد هذه المقاربة. لكنني أعتقد ان مهمتها تتجاوز هذا الأمر، وتالياً لا مكان لإيران على المستوى المنوط بمجموعة الدول الخمس التي ينبغي أن تتحوّل رافعة مستقبلية للاقتصاد اللبناني«، موضحاً ان»المسألة ليست عددية. وما يهمنا هو وجود دول يمكن الاعتماد عليها وتربطنا علاقات تاريخية بها«، ولافتاً إلى ان«لا أحد من المسؤولين الكويتيين الكبار الذين التقيهم إلا ويعبّرون عن مدى حبهم للبنان وحرصهم على إستقراره وعودة إزدهاره».
وأي خلاصة تكوّنت لديه حيال الوضع في لبنان بعد زيارته الكويت؟ نسأل سكاف فيجيب: «الإخوة في الكويت يعتقدون أن ثمة خطراً على لبنان وهم يتمنون عدم توسع الحرب، ويريدون السلام للبنان، ويبذلون الكثير من المساعي من أجل الوصول إلى وقف إطلاق النار في غزة، ومن شأن ذلك أن يُبْعِدَ شبح الحرب عن لبنان. فهم يعتبرون ونحن كذلك أنه يجب تجنُّب الحرب تفادياً للوقوع في الفخ الإسرائيلي».
في حال نجاح الجهود الديبلوماسية بفرض هدنة في غزة، هل يصبح أفق الحل في لبنان أكثر سهولة؟ أم ان الأمر سابق لأوانه؟
يردّ سكاف: «تحرك اللجنة الخماسية والاهتمام السعودي المتزايد بنشاط الخماسية وتحرُّكها، تزامَنَ مع الكلام عن هدنة في غزة. فبمجرد الحديث عن تلك الهدنة وما يمكن أن يستتبعها على جبهة جنوب لبنان يسهل انتخاب الرئيس. وأعتقد ان مجموعة الخمس تحرّكت في الوقت المناسب وخصوصاً مع الإدراك أن الحرب لا يمكن أن تستمر في غزة وان الجميع تعبوا، الفلسطيني، الإسرائيلي وحزب الله، في حين ان أميركا وإيران لا تريدان الحرب».
وعن إمكان حصول مقايضة حول لبنان ورئاسته بعد الحرب، شكّك سكاف في هذا الاحتمال، مشيراً إلى أنه «ربما ينتظر حزب الله انكفاء الأميركيين بسبب إنتخاباتهم الرئاسية، على غرار ما حدث في الـ2016، علماً أننا ندرك أن انتخاب الرئيس يجب أن يحظى بتأييد الولايات المتحدة أولاً كما من المملكة العربية السعودية. ولذا ينبغي علينا ان نوظّف هذا الدعم تَجَنُّباً لأي انكفاءٍ أميركي عن الشرق الأوسط وخصوصاً لجهة أن واشنطن تلعب الدور الأكبر في منْع توسع الحرب في اتجاه لبنان، وإذا إنكفأت فإحتمال نشوب الحرب سيرتفع».