جنوب سوريا: المعارضة تسلّم السلاح الثقيل
بعد دمار هائل ومجازر دموية بالجملة ونازحين تجاوز عددهم 325 ألف شخص تشرّدوا في العراء في أيام من الحرّ الشديد في الصحراء السورية القاحلة على الحدود مع الأردن وقرب مرتفعات الجولان المحتلة، وإثر جولات خمس من المفاوضات تخللتها صواريخ روسية وبراميل متفجرة أسدية ضد المناطق المدنية، توصّلت المعارضة إلى اتفاق في محادثات مع الجانب الروسي حول درعا بموجبه سرت الهدنة في جنوب البلاد وتسلمت شرطة النظام السوري المعبر الحدودي مع الأردن.
وبحسب ما أكده إبراهيم الجباوي الناطق باسم غرفة العمليات المركزية للمعارضة جنوب سوريا، يقضي الاتفاق ببدء تسليم السلاح الثقيل لفصائل المعارضة على مراحل، في مقابل انسحاب قوات الأسد من مناطق عدة كانت دخلت إليها في أثناء المعارك الأخيرة بين الجانبين.
كما ينص الاتفاق على نشر أفراد من الشرطة العسكرية الروسية على الحدود مع الأردن. ويشمل الاتفاق أيضاً إعادة سيطرة قوات النظام السوري على معبر نصيب الحدودي مع الأردن.
وصرّح الجباوي بالتزامن مع رصد آليات عسكرية سورية بالعين المجردة من الجانب الأردني وهي تتجه إلى منطقة معبر نصيب الحدودي، أن الاتفاق يتضمن «تسليم جزء من السلاح الثقيل» لدى المعارضة للشرطة الروسية مقابل انسحاب «قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية من أربع بلدات سورية هي كحيل والجيزة والمسيفرة والسهوة، على أن تحل محلها قوات من الجيش الحر إلى حين تسليمها لاحقاً للشرطة الروسية.
وأشار الناطق باسم غرفة العمليات المركزية للمعارضة إلى أن الاتفاق تضمن أيضاً الإعلان عن وقف إطلاق النار، من دون أن يلتزم النظام به، الذي بقي «يطلق النار ويقصف بشدة جميع المواقع بدون استثناء وبجنون» على حد وصفه، وبيّن أن من بين البنود التي تم التوافق عليها جزئياً أيضاً، تسليم الطريق الحربي الحدودي مع الأردن إلى الشرطة الروسية.
وبشأن رصد رتل عسكري سوري يتجه نحو معبر مركز نصيب، قال الجباوي إن ذلك جرى «لإتمام الاتفاق بأن يستلم جيش بشار الأسد معبر نصيب فقط، ولكن الاتفاق لم يتم بعد بشكل نهائي»، مشيراً إلى أنه في حال إتمام الاتفاق كاملاً، سيستلم جيش النظام معبر نصيب، لافتاً إلى أن الاتفاق لا يزال «جزئياً هو بادرة حسن نوايا».
ورصدت «سي إن إن» بالعربية على مدار النهار من الجانب الأردني، عمليات قصف على البلدات السورية الجنوبية المحاذية للحدود الأردنية من جهة مركز جابر نصيب الحدودي، منذ ساعات الصباح الباكر.
أما عن المسائل الرئيسية المختلف عليها، فقال الجباوي: «المسألة الأهم هي انسحاب النظام السوري من القرى التي اجتاحها في الفترات الأخيرة».
وفي سياق متصل، أكدت مصادر في المعارضة السورية أن مقاتلي المعارضة في محافظة درعا من الذين لا يرغبون في المصالحة مع النظام، سيغادرون إلى مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في شمال البلاد بموجب الاتفاق.
ويسمح الاتفاق لكل مقاتلي المعارضة بتسوية وضعهم بضمانات روسية، كما يمنح الاتفاق المنشقين عن الجيش والمتهربين من التجنيد إعفاء لمدة ستة أشهر.
كما يسمح الاتفاق للمدنيين الذين فروا من درعا بالعودة مع ضمانات روسية بحمايتهم.
وبحسب المعارضة السورية، بدأ وقف إطلاق النار مع بداية تسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة.
وبموجب هذا الاتفاق، وصل مئات الجنود التابعين لشرطة النظام السوري إلى معبر نصيب الحدودي مع الأردن، حسب ما نقله مراسل قناة «العربية»، ووصل مئات من الجنود في قافلة عسكرية كبيرة ترفع علم النظام السوري وعلم روسيا.
وكانت القافلة التي تضم عشرات المركبات المدرعة والدبابات تتحرك على طريق عسكري بمحاذاة الجانب الأردني من السياج الحدودي.
وأعلنت الأمم المتحدة أن عدد الفارين من القتال الدائر جنوب غربي سوريا، منذ 17 حزيران الماضي، بلغ أكثر من 325 ألف شخص.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي عقده نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق، في المقر الدائم للمنظمة الدولية بنيويورك.
وأشار حق إلى أن الغارات الجوية المكثفة والقوية استمرت الخميس، في مدينة درعا والمناطق الريفية الشرقية والغربية للمدينة، وأسفرت عن مقتل 18 شخصاً، بينهم 14 طفلاً و3 نساء، إضافة لإصابة عدد آخر.
وقال إن «مكتب الشؤون الإنسانية (أوتشا) أعرب عن قلقه البالغ إزاء سلامة وحماية المدنيين الذين يتم القبض عليهم في العمليات العسكرية جنوبي سوريا»، وأضاف: «يواصل مكتب (أوتشا) تقديم الاحتياجات الفورية للنازحين السوريين، وكثير منهم من الأطفال، ويشمل ذلك تقديم المأوى والماء والغذاء والرعاية الطبية والصرف الصحي».
وتابع «لكن الظروف المعيشية للأشخاص المشردين داخلياً على طول المناطق الحدودية صعبة للغاية، حيث أنهم يفتقرون إلى المأوى الملائم ومرافق الصرف الصحي والمساعدة الأساسية والحصول على الخدمات».
وذكر حق أن «التقارير تُفيد بأن ما يصل إلى 70 في المئة من هؤلاء اللاجئين في المناطق الغربية من القنيطرة (جنوب غربي) هم بدون مأوى، ومعرضون لرياح صحراوية غبارية ودرجات حرارة عالية».
وأوضح أنه بالتنسيق مع حكومة الأردن تم تقديم مساعدات لإنقاذ الأرواح، بما في ذلك الطعام والماء والصابون والمواد الصحية والمأوى والإمدادات والمعدات الطبية لعشرات الآلاف من السوريين قرب الحدود الأردنية.
وعقدت المعارضة السورية وروسيا جولات تفاوضية عدة خلال الأيام الماضية، قبل التوصل إلى اتفاق.
وفي 20 حزيران الماضي، أطلق النظام السوري بالتعاون مع حلفائه والميليشيات الشيعية الموالية له، هجمات جوية وبرية مُكثفة على محافظة درعا.
وتدخل مناطق جنوب غربي سوريا، وبينها درعا والقنيطرة والسويداء ضمن منطقة «خفض التصعيد»، التي تم إنشاؤها في تموز 2017، وفق الاتفاق الذي توصلت إليها آنذاك روسيا والولايات المتحدة والأردن.
وفي سياق مقارب، قالت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إنها لم تعثر على دليل عن استخدام غاز أعصاب في الهجوم على دوما في نيسان الماضي، لكنها عثرت على آثار قد تحوي الكلور.
وكان فريق من محققي المنظمة التي تتخذ من لاهاي مقراً لها، أخذ نحو مئة عينة من سبعة مواقع في دوما بعد أن تمكن من الوصول إلى المدينة، بعد أسبوعين من وقوع الهجوم في السابع من نيسان الماضي.
وأوضحت المنظمة في تقرير أولي «أن النتائج تظهر أنه لم يتم رصد وجود أي عنصر لغاز أعصاب فوسفوري عضوي أو بقاياه»، إلا أن التقرير أضاف أنه «علاوة على بقايا متفجرات عُثر على مكونات عدة تحوي الكلور».
وتابع التقرير أن «العمل الهادف للتوصل إلى تفسير لهذه النتائج لا يزال جارياً». والمطلوب تحديد ما إذا كانت الآثار التي تم العثور عليها هي إشارة إلى مصدر ناشط من الكلور، الذي لا يوجد عادة في الطبيعة.
وكان أطباء ومسعفون أفادوا أن نحو 40 شخصاً قتلوا في الهجوم غالبيتهم في بناء سقطت على سقفه اسطوانة.
ولا يزال فريق المحققين يعمل «لتحديد مكان الاسطوانة» و«مصدرها»، حسب تقرير المنظمة.
وحملت الدول الغربية النظام السوري مسؤولية اعتداء دوما، ما دفع بواشنطن وباريس ولندن إلى توجيه ضربات عسكرية إلى مواقع للنظام، ما ساهم أيضاً بتوتر ديبلوماسي شديد مع موسكو.
ولم يتمكن فريق المحققين من الوصول إلى مكان الهجوم سوى في الحادي والعشرين من نيسان الماضي في حين أنه كان قد وصل إلى سوريا في الرابع عشر من الشهر نفسه.
وقتل 18 شخصاً على الأقل بينهم 11 عنصراً من قوات سوريا الديموقراطية المدعومة أميركياً من جراء تفجير سيارة مفخخة أمام أحد مقراتها في شرق سوريا، وفق ما أفاد المرصد السوري.
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن «تسبب تفجير سيارة مفخخة أمام مقر لقوات سوريا الديموقراطية في بلدة البصيرة في ريف دير الزور الشرقي بمقتل قيادي مع 10 من عناصره بالإضافة إلى سبعة مدنيين بينهم ثلاثة أطفال».
ولم تُعلن أي جهة مسؤوليتها عن التفجير، لكن عبد الرحمن رجّح أن يكون تنظيم «داعش» الذي غالباً ما يتبنى اعتداءات مماثلة يقف خلفه.
(أ ف ب، رويترز، العربية.نت، سي إن إن، الأناضول)