فكٌر فيها.. بقلم نقولا أبو فيصل

يقول الشاعر نزار قباني : “ إذا لم يزدك البعد حباً فأنت لم تُحب حقاً” . والبعد يمكن أن يكون امتحانًا صادقًا لقوة الحب ومتانته. فإذا كان الحب حقيقياً، فإنه لا يتأثر بالغياب بل يزداد عمقًا وشوقًا . والبعد لا يُضعف الروابط بل يُظهر قيمتها الحقيقية لأن المشاعر الصادقة لا تحتاج إلى وجود ملازم بل إلى وجود حقيقي في القلب. مثالاً : عندما نحب الوطن، فإننا لا نحب فقط مكاناً جغرافياً، بل نحب القيم التي يمثلها، والمجتمع الذي يحتضننا، والأحلام التي نبنيها فيه. وهذا الحب يصبح حقيقياً عندما يتجلى في التضحية والبذل من أجله، حتى لو لم يكن الوطن مثالياً ، ويفتقد الى سلطة مركزية عادلة وقوية .

في البعد يتبين الفارق بين الحب والتعلق . فالتعلق قد يزول مع الوقت لأن جذوره غالبًا ما تكون مبنية على الحاجة أو الاعتياد . أما الحب الحقيقي فهو يظل متقدًا مهما طالت المسافات لأنه يعتمد على الوعي والاختيار والإرادة . والغياب قد يكون فرصة لإعادة اكتشاف الذات واكتشاف الآخر . ففي لحظات البعد ندرك تفاصيل الشخص الآخر التي قد لا نلحظها في الحضور ونتعلم أن الحب ليس فقط في القرب بل في الصبر والوفاء والحنين الصامت الذي يربط بين القلوب .

وفي الختام ، أرى أن الحب الحقيقي يتجاوز حدود الزمان والمكان ولا يُقاس باللحظات التي نقضيها مع من نحب وفي المكان الذي نحب ، بل بما يتركه البعد من أثر في أرواحنا . “أحبوا بعضكم” ايها اللبنانيون ، وهذه ليست مجرد نصيحة، بل دعوة لحياة أفضل ملؤها التسامح والودّ . فعندما نعيش بالحب نزرع أثراً جميلاً يبقى حتى بعد زوال أعمارنا ، أفتحوا قلوبكم لبعض وامنحوا الحب دون قيد أو شرط لأنه هو وحده الذي يخلّد ذكرياتنا ويبني وطننا لبنان .
نقولا أبو فيصل كاتب ورئيس تجمع الصناعيين في البقاع رئيس مجموعة غاردينيا غران دور الاقتصادية
Nicolas Abou Fayssal