
وليد جنبلاط.. مسيرة وطنية في تكريم القادة وتوحيد الصفوف اللبنانية

في لحظاتٍ تاريخيةٍ مليئةٍ بالتداعيات والمشاعر المتشابكة، يقف لبنان أمام محطةٍ جديدةٍ من محطاته المصيرية. وفي هذا السياق، استقبل الزعيم الوطني وليد جنبلاط وفدًا من “حزب الله”، ضمّ النائب حسن فضل الله ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا، حيث سلّماه دعوةً لحضور مراسم تشييع الأمينين العامين السابقين للحزب، السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين.
هذه الدعوة تحمل في طيّاتها دلالاتٍ وطنيةً وإنسانيةً عميقة. فالحزب التقدمي الاشتراكي، دعا اللبنانيين إلى “لحظة وطنية” في يوم التشييع، مؤكدًا أن شهادتهما تُكرّس مسار المقاومة فوق كل الاختلافات.
إنها لحظةٌ تستدعي التأمل في تاريخ لبنان، حيث تلاقت دماء الشهداء من مختلف الطوائف والانتماءات على أرضه، دفاعًا عن كرامته وسيادته. وفي هذه اللحظة، يتجلى الحس الوطني في أبهى صوره، متجاوزًا الخلافات السياسية والطائفية، ليؤكد أن لبنان يبقى أكبر من أي انقسام.
وليد جنبلاط، الذي لطالما كان رمزًا للشجاعة والحكمة، يُثبت مرةً أخرى أن القيادة الحقيقية تتجلى في المواقف الصعبة. فهو الذي حمل السلاح دفاعًا عن لبنان في وجه الاحتلال الإسرائيلي عام 1982، وواجه محاولات الهيمنة في محطاتٍ عدة، يقف اليوم داعيًا إلى الوحدة والتضامن في وجه التحديات.
في ظل الظروف الصعبة والمحن التي مر بها لبنان، برز وليد جنبلاط كشخصية قادرة على التصدي للتحديات بشجاعة وحكمة. لقد كان دائماً داعياً للوحدة الوطنية والانسجام بين جميع أطياف المجتمع اللبناني. بفضل رؤيته الاستراتيجية ومواقفه الثابتة، استطاع جنبلاط أن يكون رمزاً للوطنية والتضحية.
لحظة التأمل والتكريم
تاريخ جنبلاط حافل بالمواقف الوطنية التي تجاوزت الخلافات السياسية والطائفية. عند استشهاد الرئيس رشيد كرامي في 1 حزيران 1987، قاد جنبلاط مسيرة من الجبل إلى شمال لبنان لتكريم الشهيد، مما جعل الحضور الجنبلاطي يطغى على الجميع. وفي 7 آب من نفس العام، ورغم الخلاف السياسي آنذاك، أصرّ جنبلاط على دفن الرئيس كميل شمعون في مدينته دير القمر، حيث حمل الجثمان ثلة من عناصر الحزب الاشتراكي وأهالي المنطقة.
وفي 21 تشرين الأول 1990، عند استشهاد رئيس حزب الأحرار داني شمعون، أقام له جنبلاط مأتمًا يليق به، وسار بنعشه مع أبناء الجبل إلى مثواه الأخير في دير القمر. وعند وفاة العميد ريمون إده في 10 أيار 2000، ورغم العداء بينه وبين السوريين آنذاك، كرم جنبلاط هذا الرجل الوطني الكبير، مما أجبر القيادة السورية على إرسال وفد للتعزية.
في 14 شباط 2005، اغتيل رئيس الوزراء اللبناني الشهيد رفيق الحريري في حادثة هزّت الوطن وأشعلت مشاعر الحزن والغضب. في تلك اللحظة الحرجة، برز وليد جنبلاط كقائد وطني، متحديًا الاحتلال السوري وهيمنته على القرار اللبناني. دعا جنبلاط إلى إقامة مأتم شعبي حاشد للرئيس الحريري، وشارك فيه مع حشود كبيرة من أبناء الجبل، في مشهدٍ فاق كل التوقعات، مؤكدًا على وحدة الصف الوطني ورفض الوصاية الخارجية.
اليوم، ومع دعوة الحزب التقدمي الاشتراكي إلى لحظة وطنية في يوم تشييع السيدين الراحلين، يتجدد التأكيد على التمسك بالتراث النضالي المشترك، واستذكار التاريخ المقاوم الذي جمع اللبنانيين في مواجهة العدوان والاحتلالات بكافة اشكالها.
في هذه اللحظات، نتذكر كلمات جنبلاط: “وليد جنبلاط لا أحد يملي عليه ما يجب أن يقول أو ماذا يجب أن يفعل”. إنها رسالةٌ لكل من يشكك في صدق النوايا، بأن المواقف الوطنية تنبع من قناعةٍ راسخة، وليس من إملاءاتٍ خارجية.
غداً، في وداع قادةً تركوا بصماتهم في مسيرة مقاومة العدو الإسرائيلي رغم الاختلاف في طرق المواجهة، نأمل أن تكون هذه اللحظة محطةً للتلاقي والحوار والعودة إلى مشروع الدولة، وفرصةً لتجديد العهد على بناء لبنان وطنًا للحرية والتعايش والتعددية، وطن يتسع لجميع أبنائه.
خاص الانباء