“النهار” … صفحات بيضاء ” C’est le Risque
أيًّا تكن الأسباب التي أملت على القيمين على صحيفة “النهار قرار إصدار عددها الذي حمل الرقم 26680 خاليًا من المواد الإخبارية هو حدث بحدّ ذاته، وفيه الكثير من الجرأة.
ليس سرّا أن نقول أن الصحافة الورقية تعاني الكثير، من دون أن تلقى إهتمامًا من قبل المسؤولين، بإستثناء التحرك الذي قام به وزير الإعلام ملحم الرياشي، على اثر إقفال “دار الصياد”، وهو حوّل مشاريع القوانين التي كان أرسلها إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء ولم تدرج على جدول أعمال الحكومة السابقة، إلى إقتراحات قوانين، وهي كفيلة، في حال إقرارها من قبل الهيئة العامة لمجلس النواب، بالتخفيف من الأعباء التي تعاني منها الصحافة الورقية، لجهة الإعفاءات من تكلفة الضمان الإجتماعي وإلغاء الضرائب الجمركية على الورق والحبر.
ذكرّتني خطوة “النهار” اليوم بأحد الطلاب الذي كان يخضع لأمتحان آخر السنة، وقد طرح عليه سؤال في مادة الفلسفة باللغة الفرنسية بموضوع عن ” Le Risque”، فقرر تقديم مسابقته بيضاء، مكتفيًا بكتابة جملة واحدة: ” C’est le Risque “. فنال أعلى علامة في تاريخ مادة الفلسفة.
على رغم كل المصاعب التي مرّت بها “النهار” خلال الحرب العبثية لم تتوقف يومًا واحدًا عن الصدور، وكانت تواجه بصدرها العاري، إلاّ من الحقيقة والجرأة، كل التحديات، وكان صوتها أقوى من المدافع، وكان ديكها يصدح مع إطلالة كل شمس، ولم يستطع القنص والقصف العشوائي نتف ريشه.
أذكر أنه في خلال “حربي التحرير والإلغاء” كنا نقصد أنا والزميلان حبيب شلوق ونقولا ناصيف يوميًا المعابر التي كانت تفصل ما كان يُعرف بـ”الشرقية” عن “الغربية”، وتحت القنص، وسيرًا على الأقدام، حين كانت تلك المعابر مقفلة، من المتحف في إتجاه البربير، وكذلك كان يفعل غيرنا، وذلك من أجل أن تطلع “النهار” في موعدها قبل بزوغ الفجر، وقبل أي نهار.
فخطوة “النهار” فيها الكثير من المخاطر، ولكنه قرار جريء بكل المعايير المهنية، لأن القيمين عليها يدركون حجم الأعباء التي تواجهها الصحافة الورقية، وهم قصدوا بذلك قرع جرس إنذار عما سيؤول إليه هذا الواقع في حال لم تمدّ الدولة يدها وتنتشل هذا القطاع من عثرته.
بالأمس القريب أقفلت “الصياد” أبوابها، وأصبح العاملون فيها بين ليلة وضحاها عاطلين عن العمل، وقبلها صحيفة “الإتحاد” وقبلها هجرة “الحياة” إلى الخارج وإقفال مكاتبها في بيروت، وقبل قبلها “السفير”، ولا أحد يعرف متى يأتي دور الصحف الباقية التي تحاول جاهدة وبشق النفس الوقوف في وجه العاصفة.
اندريه قصاص/لبنان24