ما جرى في ساعات ما قبل الانتكاسة
كشفت مصادر مواكبة لعملية التأليف حقيقة ما جرى في الساعات الاخيرة قبل الانتكاسة، وقالت لـ«الجمهورية» انه خلال اللقاء البعيد من الاعلام الذي انعقد الاربعاء في قصر بعبدا، أبلغ الرئيس المكلف سعد الحريري الى رئيس الجمهورية ميشال عون انّ العرض الذي قدّمه الى «القوات» يتضمن إعطاءها وزارات العدل والشؤون الاجتماعية والثقافة ونيابة رئاسة مجلس الوزراء. فردّ عليه عون قائلاً: «فكّر في المقابل بحقيبة وازنة لحصتي تكون اساسية ولا تؤدي الى خلل في التوازن».
وخرج الحريري متفائلاً على هذا الاساس، وابلغ الى جعجع الموافقة المبدئية على هذه الحصة. وبناء على ذلك، توقع الحريري ولادة سريعة معتبراً انّ كل الامور تسهّلت امامه، ولاسيما منها العقدة الاساسية المتعلقة بـ«القوات» بعدما كانت العقدة الدرزية حلّت، ولم يعر حينها الحريري اهتماماً كبيراً لعقدة تمثيل السنّة المستقلين في اعتبار انها تفصيل يمكن الاتفاق عليه مع رئيس الجمهورية.
وقبل ان يخرج قال الحريري لعون: «سأستكمل اتصالاتي ومشاوراتي لتوزيع الحقائب وسأعود بعد يومين»، على أن تبقى المرحلة الاخيرة إسقاط الاسماء على الحقائب. وتمّ التواصل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في جنيف، فأبدى استعداده لقطع زيارته والعودة بناء على الاجواء التي عكسها الحريري بعد اجتماعه بعون، فكان الجواب أن لا شيء يدعو الى العجلة ولن يحصل شيء قبل نهاية الاسبوع».
وتابعت المصادر: «إضافة الى العرض الذي قدّمه الحريري لـ«القوات» وتضمّن حقيبة العدل، فقد طالبت الاخيرة في الساعات الماضية بحقيبة خدماتية أساسية من الحقائب الخمس التي سبق وتوزّعت على الكتل (الطاقة، الصحة، الاشغال، الاتصالات، التربية)، وقد أثار هذا الامر استياء رئيس الجمهورية. لكنّ اطرافاً سياسية أخرى أدرجته في خانة «تحصيل أكبر» وتحسين شروط في ربع الساعة الاخير، فيما اعتبره «التيار الوطني الحر» أحجاماً منتفخة لن يقبل بها بعدما قدّم التنازلات وكل التسهيلات».
وعلمت «الجمهورية» من مرجع كبير انه «على رغم كل الاجواء الضبابية التي سادت الساعات الاخيرة، فإنّ التأليف لم يَطر، بل سيتأخر أياماً اضافية لأنّ القرار به متّخذ والولادة ستحصل قبل نهاية هذا الشهر».
والى ذلك، أوضحت مصادر مطلعة على موقف عون الأسباب والدوافع التي جعلته يتمسّك بحقيبة العدل، وقالت لـ«الجمهورية»: «الموضوع لا يتصل بتمسّك الرئيس بحقيبة محددة ولاعتبارات اعتباطية أو لتسجيل مواقف، إنما لديه اقتناع لا يرقى اليه اي شك بالتمسّك بهذه الحقيبة، نظراً الى دورها ومهماتها التي من الواجب ان تكون في عهدة الرئيس شخصياً وليس أي فريق أو طرف آخر، أيّاً كان موقعه. فهذه الحقيبة هي من حصة من أقسم اليمين على الدستور من أجل احترام القوانين وتطبيقها، وهي التي تشرف على تطبيقها، وهي المعنية بشكل من الأشكال بحقوق الناس وقضاياهم، وهي المسرح الذي سنشهد فيه على الخطط الموضوعة لمكافحة الفساد والإصلاح، وهو الشعار الذي أطلقه الرئيس عون ويسعى الى تطبيقه في مستقبل الأيام».
وقالت هذه المصادر: «على من سيتولى هذه الحقيبة ان يكون على مسافة واحدة من الجميع، فهو الذي يشرف على عمل كل النيابات العامة بما فيها النيابة العامة التمييزية، وهو من يحركها في مواجهة الخطوات التي ينوي القيام بها لمكافحة الفساد وتعزيز أدوار هيئات الرقابة والتفتيش المركزي والنيابة العامة المالية ضماناً لوصول الملفات التي ستفتح الى النهايات الحتمية، فلا تحفظ في الأدراج قبل ان يقول القضاء كلمته».
وفي جانب آخر شدّدت المصادر على انّ عون يرى في حقيبة العدل «مكاناً لتوفير الظروف الفضلى لإجراء التعيينات والمناقلات القضائية بإشرافه وعلى مسؤوليته لمتابعتها من خلال هذه الوزارة، فالبلد مقبل على ورشة إصلاحية كبيرة، وهناك حاجة الى إشراف القضاء على كل هذه الخطوات بشكل مباشر وفعّال».
وانطلاقاً من هذا المنطق، فقد لفتت المصادر نفسها الى «انّ مكافحة الفساد تستدعي تحرك وزارة العدل بتوجيه من الرئيس والسلطة السياسية لمتابعة الموضوع. فوزير العدل له عمل مباشر مع مجلس القضاء الأعلى، ويشارك في السهر مع القضاة لمتابعة تنفيذ القوانين. كذلك هي وزارة تجمع هيئة التشريع والاستشارات وهيئة الاستشارات العليا للبَتّ بالقضايا التي تتطلّب رأياً في بعض الإقتراحات ومشاريع القوانين».
وكشفت المصادر عينها «انّ عون عندما عبّر عن إصراره وتمسكه بحقيبة العدل التي ما زالت تدور حولها أُم المعارك الوزارية، قَصدَ شرح موقفه بالتفصيل ليؤكد انه لم يكن ولن يكون حجر عثرة امام التأليف سواء في ما خص وزارة العدل أو غيرها، وانه أسرّ بموقفه هذا منذ زمن وقبل إصرار الفريق الآخر على هذه الحقيبة، والذي أتبِع بحملة مماثلة تناولت حقيبة «الأشغال» من دون طرح البدائل».
ورداً على سؤال يتصل بموقع وزارة العدل في المنظومة الحكومية واسباب التمسّك بها، قالت المصادر عينها انّ «عصب الدولة هو الامن والاقتصاد والقضاء». ولمّا منحت وزارة المال الى حركة «أمل» ووزارة الداخلية الى تيار «المستقبل» بما يمثّلان، كان إصرار الرئيس عون على وزارة العدل بما يمثّل وما تمثّله هي ايضاً. ولذلك، وجب ان تكون من حصته وهو يختار وزيرها بكل صراحة».
ورفضت هذه المصادر ايّ تشكيك بالنيّات، وأكدت «انّ الرئيس عون الذي يدافع عن التوجّه القائل ببقاء هذه الوزارة ضمن حصته، لا يزال يعمل لتسهيل تأليف الحكومة ودعم الرئيس المكلف لتقديم تشكيلته الوزارية في اليومين المقبلين». مشيرة الى «انّ القرار بتأليف الحكومة مُتخذ والصورة قد تتضح سريعاً». وقالت انّ «هناك علاقة بين وزارة العدل والهيئات الدولية التي ترصد المتابعة القضائية والجنائية، وليس المقصود ان تكون رغبة الرئيس عون التمسّك بوزارة العدل لأي سبب، إنما لأنه المؤتمن على تنفيذ القوانين والسهر على حسن تطبيقها، والقضاء هو من يعمل على ذلك».