“التطبيع العربي”: باسيل إلى دمشق في أي لحظة
في معرض زيارات الوفود الرسمية العربية إلى دمشق، واستعداد
الجامعة العربية لإعادة سوريا إليها، وهذا على الأرجح، سيحصل قبل القمة
العربية في تونس، في شباط المقبل.. يتحضّر لبنان لإجراء زيارة رسمية إلى
سوريا ولقاء المسؤولين فيها.
الانقسام اللبناني
قبل فترة،
عبّرت بعض القوى اللبنانية عن إستيائها من عدم تطبيع العلاقات مع النظام
السوري، في ظل المؤشرات “الإيجابية” للتوجه العربي التطبيعي. حاول حزب الله
الضغط في سبيل الإسراع بعودة لبنان إلى سوريا. وبالتالي عودة سوريا إلى
لبنان، على قاعدة أن لبنان ليس أهم من الإمارات أو من مصر أو غيرها من
الدول العربية، التي ستستعيد تباعاً علاقاتها مع النظام، فلماذا على لبنان
أن ينتظر؟
وفق بعض التقديرات فإن لبنان يؤجل مثل هذا الإجراء لحين
الحصول على ما يشبه الغطاء العربي، وتحديداً الخليجي، بالإضافة إلى الغطاء
الدولي. هذا بالنسبة إلى لبنان الرسمي، أي الحكومة اللبنانية. ولكن لا يخفى
وجود انقسام في الوجهة الرسمية لسياسة لبنان الخارجية. إذ أن الحكومة
تلتزم مقررات الجامعة العربية، ورئيسها سعد الحريري يرفض إعادة تطبيع
العلاقات مع سوريا. بينما وزير الخارجية واضح. فقبل يومين أكد موقفه الراغب
في استعادة العرب لدمشق، قائلاً: “إن موقف تياره السياسي والخارجية واضح
في هذا الصدد”.
إما في بيروت أو بتونس
بموازاة هذا
الإنقسام، شكّلت الخارجية اللبنانية جزءاً من تجمّع عربي ضاغط، يهدف إلى
عقد جلسة استثنائية لمجلس وزراء الخارجية العرب، واتخاذ قرار بإعادة مقعد
سوريا للنظام الحاكم. وبالتالي، تأمين توجيه دعوة من لبنان إلى سوريا،
للمشاركة في القمة الاقتصادية، ببيروت، في العشرين من كانون الثاني 2019.
وعلى ما يبدو، حسب بعض المؤشرات، فإن هذه الضغوط ستأتي ثمارها، وقد تعقد
جلسة استثنائية في سبيل إنجاز هذا الأمر. وإن لم يحصل ذلك قبل القمة
الإقتصادية، فبالتأكيد بعدها. ويجزم هؤلاء بأن سوريا ستعود إلى الجامعة
العربية وستشارك في قمة تونس.
باسيل في أي لحظة
وتكشف بعض
المصادر المتابعة، أن هناك قراراً لبنانياً اتخذ منذ أيام، يقضي بذهاب
وزير الخارجية جبران باسيل في زيارة رسمية إلى دمشق، للقاء المسؤولين هناك،
من بينهم رئيس النظام السوري بشار الأسد. وتقول هذه المصادر أن باسيل طلب
قبل فترة إجراء زيارة شخصية وغير علنية. لكن دمشق رفضت، مشترطة زيارة رسمية
وعلنية. وعليه، تؤكد المعلومات أن القرار واضح، ويقضي بزيارة باسيل إلى
سوريا، بانتظار اختيار التوقيت لهذه الزيارة، التي قد تحصل قبل القمة
الإقتصادية أو بعدها، أو ربما بعد اتخاذ قرار الجامعة العربية بإعادة سوريا
إليها، أو ربما قد يختار باسيل التوقيت الذي يناسبه، ليوحي لدمشق بأن
جهوده قد أثمرت في إعادتها إلى “الحضن العربي”، وكأنه يريد تسليف النظام
السوري موقفاً من هذا القبيل.
حساب الأسد
حتى لو تلقّى
بشار الأسد الدعوة لحضور القمة الإقتصادية في بيروت، فإن المعلومات تفيد
بأنه غير متحمّس للمشاركة فيها شخصياً، بل سيتمثل حسب مستوى تمثيل الدول
العربية. لن يتصرف وكأنه راكض خلف “العودة إلى المشهد العربي” من البوابة
اللبنانية. فالفكرة الراسخة في ذهنية النظام، أن لبنان سيكون عنوان العودة
السورية “المؤثرة” على الساحة العربية، ليس من خلال الزيارات الديبلوماسية
التي يقوم بها المسؤولون السوريون إليه، بل من خلال قدرته وسطوته وتأثيره
على السياسة اللبنانية ككل.
هذا ما يترقّب اللبنانيون تداعياته، لا سيما في ضوء تأكيد
الأسد، مجدداً، أمام وفود التقاها مؤخراً، بأن تعامله مع الدولة اللبنانية
سيكون على قاعدة “كل شي بحسابه”، مبدياً رفضه لمحاولة أي كان ترتيب وساطة
بين النظام السوري وبين لبنان الرسمي، أو أي فريق لبناني آخر. وتكشف
المصادر أن الأسد قد طالب حزب الله بعدم التوسط لأي طرف لبناني لتحسين
علاقاته مع دمشق. لأن تعاطي النظام سيكون لكل خطوة ثمن. من يسلّفه موقفاً
إيجابياً سيرد له النظام الموقف الإيجابي، أكان سياسياً أو حتى نفعياً في
عملية إعادة الإعمار. وكل ذلك، بناء على شروط النظام السوري.
حال الحريري
لا
شك أن كل هذه التطورات ستفرض المزيد من الضغوط على رئيس الحكومة سعد
الحريري، الذي لا يزال رافضاً لأي شكل من أشكال التطبيع مع سوريا. لكنه
أيضاً، في المقابل، يتفهم مساعي باسيل. ويعرف أن ثمة أمراً واقعاً لا مفرّ
منه، ولا يمكن للبنان أن يبقى خارج سياق التعاطي مع سوريا، لما في ذلك من
فوائد ومصالح لبنانية كثيرة، اقتصادية وتجارية وزراعية. ولا يمكن البقاء
خارج الإجماع العربي الوشيك. لذلك، قد يكون الحريري بانتظار نيل مباركة
خليجية، أو على الأقل عدم الممانعة. وهذه ستكون متوافرة، في ظل التهافت
العربي للعودة إلى دمشق. وتؤكد المعلومات أن النظام سيسعى إلى معاقبة لبنان
على مواقف بعض سياسييه، في ملفات متعددة، وتحويله إلى أكبر الخاسرين
اقتصادياً بحال لم يسر في التوجه الذي يتمناه النظام، وهذه ستكون كفيلة
بتكثيف الضغط، من قبل حلفاء النظام، على اللبنانيين المعارضين له، لجرّ
البلاد إلى حضن الأسد مجدداً، ولوضعه في الحيز الذي يرسمه. والكلام في ذلك
سيكون مؤجلاً لما بعد تشكيل الحكومة. حينها ستكون المعركة على أشدها.