بين رجل الدولة ورجل السياسة
نقولا أبو فيصل*
يفرّق الكثيرون بين رجل الدولة ورجل السياسة فيما الفرق كبير وعميق. فرجل الدولة هو ذاك الذي يشعر بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه يتهيبها حتى انه ينسى نفسه ولا يهتم الا بخدمة الوطن ومواطنيه، حاضراً ومستقبلاً. يأخذ العبر من الماضي، يقرأ التاريخ، تاريخ وطنه والمنطقة، ليستنبط المعرفة والحكمة، ويتمعن بالحاضر، ويبني للمستقبل..انطلاقاً من ان السياسة الناجحة هي السياسة المستقرة التي تعتمد على حقائق إقتصادية واجتماعية وجيوسياسية في وطنه ولصالح وطنه.
رجل الدولة هو مَن يشعر في أعماق نفسه انه لم يعد ملكاً لنفسه وإنما ملك مواطنيه، ملك المجتمع.
رجل الدولة دائم التفكير بحال بلده، كيف ينهض به، كيف يعلّي شأنه، ويدرك ان ذلك لن يتحقق إلا بالايمان، والصدق مع الذات اولا بل حتى التضحية بالذات.
اما رجل السياسة، فهو ذاك الذي لا يفكر الا في كيفية تأمين استمرار موقعه كسياسي على حساب كل شيء آخر حتى ذاته الانسانية.
الفرق بين رجل الدولة ورجل السياسة هو ان الأوّل يحرص على صون نزاهته المادية والمعنوية، على عكس الآخر.
رجل الدولة يبدأ عند تعريف نفسه بكلمة «نحن» ويبتعد عن «الأنا» الانانية البغيضة. وفيما ان القيم هي من شيم رجال الدولة فإن المصلحة الشخصية واللاقيم هي عماد رجال السياسة.
وقد شهدت الساحة السياسية في لبنان منذ ما بعد الحرب نشوء ما يُسمَّى «بالميكيافيللية» نسبة لصاحب كتاب “الأمير” ونظرية “الغاية تبرر الوسيلة”..مهما كان الثمن.
حالي حال كل اللبنانيين هذه الايام حزين كلما استعرضت أسماء بعض السياسيين اللاعبين على مسرح السياسة اللبنانية
لا أقول كلهم لكن غالبيتهم، لكونهم يمثلون الصورة النقيضة لرجالات الدولة الذين باتوا من العملة النادرة في لبنان
والى رجال السياسة في لبنان أتوجه بالقول : كفانا ازمات ومصائب من صنع أيديكم. فبينما انتم تركضون وراء مصالحكم الخاصة من دون خجل ولا وجل بتعطيل الانتظام العام في الدولة تحت شعارات حزبية وطائفية ومذهبية بل حتى وطنية، بات الشعب معدوم الأمل..نصفه وأكثر جائع للطعام ونصفه الآخر جائع لهجرة تقيه جوع الطعام وجوعكم للسلطة والمال على حسابه.
وها هم شباب لبنان، ذخيرة المستقبل، يهاجرون ويتركون لكم البلاد والكراسي والمناصب، لتصحوا يوما من غيبوبتكم المجرمة لتجدون بلدا يسكنه كبار السن في حين نكون قد خسرنا الفئة المنتجة من الشعب..خسرنا المستقبل..خسرنا الوطن!
*كاتب ومدير عام مجموعة غاردينيا غران دور الاقتصادية، رئيس تجمع الصناعيين في البقاع
