عاصفة بري- الأسد ورياح الجنوب تضربان قمة بيروت
بمعزل عن أي إجراء يمكن اتخاذه بشأن القمة الإقتصادية العربية
في بيروت، فهي أصبحت بحكم الفاشلة والمنتهية، سواء عقدت أم لم تعقد أو
اتخذ قرار بتأجيلها، أو تغيير مكان انعقادها. طُوّقت القمّة بالسياسة بأكثر
من سبب وذريعة. أولاً، بسبب عدم دعوة سوريا إليها. وبالتالي، رفع معادلة
لا قمة من دون سوريا. وثانياً، واستكمالاً وتعزيزاً للسبب الأول، يأتي
الإعتراض من قبل حركة أمل، ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، على دعوة الوفد
الليبي. بل والتلويح بالنزول إلى الشارع، وقطع طريق المطار، لمنع الوفد
الليبي من الدخول إلى لبنان. واستتبع هذا الموقف، بموقف للمجلس الإسلامي
الشيعي الأعلى، حول رفض حضور الوفد الليبي. ما أدى إلى توتر العلاقة بين
بعبدا وعين التينة، خصوصاً أن رئيس الجمهورية يصرّ على عقد القمة.
اصطناع مشكلة ليبيا
عدا
عون والحريري، لا يبدو أن هناك حماسة لدى أي طرف لعقد القمة. كما أن ما
جرى سيؤدي إلى تخفيض مستوى التمثيل. ما يعني ضرب القمة في الصميم، وقطع
الطريق أمامها لإتخاذ أي قرار. وتعتبر مصادر متابعة أن موضوع ليبيا
والإعتراض على دعوتها قد اصطنع. ويتساءل البعض عن سبب هذا الإعتراض، بينما
ليبيا كانت قد شاركت في العام 2002 بالقمة العربية في بيروت، من خلال وفد
رفيع المستوى. ولم تلجأ حينذاك حركة أمل إلى هذا النوع من التصعيد. لذان لا
بد من ربط هذا الموقف المستجد بتطورات سياسية أخرى، خصوصاً أنه في العام
2002 كان القذافي لا يزال بالحكم في ليبيا، أما اليوم فإن القذافي في عداد
الموتى.
وسط كل هذه التطورات، يتصاعد الموقف بشأن القمة الإقتصادية،
المقرر عقدها في بيروت. وهناك من يعتبر أن إمكانية عقد القمة أصبحت صعبة
جداً، بعد مواقف الرئيس نبيه بري، والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. وهذا قد
يدفع الجامعة العربية إلى اتخاذ قرار، إما بتأجيل القمة أو بنقل مكانها،
فيما الأنظار متجهة إلى رئيس الجمهورية، وما سيفعله، كردّ على محاولات
إفشال القمة. وتضع بعض الأوساط تصعيد برّي بأنه جاء في سياق الاستجابة
لانتقادات سورية لمواقفه. فبعد هذه الانتقادات لجأ برّي إلى التصعيد (إرضاء
للأسد)، تحت شعار لا قمة من دون سوريا.
العاملان الإيراني والإسرائيلي
أيضاً
من بين الأسباب، التي قد تدفع إلى تأجيل القمة، أو تغيير مكانها، هي
التطورات الجارية في الجنوب، والإستنفار الذي أعلنه الجيش اللبناني، ردّاً
على الاعتداءات الإسرائيلية. فهكذا، يمكن لأي طرف التذرّع بالوضع الأمني
لضرب القمة، وعدم انعقادها. لكن، حتى الآن، الدوائر المعنية تستمر
بالترتيبات اللوجستية لعقد القمة وإنجازها. وهناك من يؤكد أن لا قرار
بتأجيلها أو إلغائها، لأن رئاسة الجمهورية مصرّة على عقدها.
ولا يمكن إدراك هذه التطورات الحدودية والإصرار على الربط بين
عقد القمة ودعوة سوريا من قبل بعض الأطراف، إلا بالإشارة لربط الإيرانيين
المسارات بين سوريا ولبنان، إنسجاماً مع موقف سابق لأمين عام حزب الله
السيد حسن نصر الله، حول توحيد الجبهات بين لبنان وسوريا، لمواجهة أي
احتمال عسكري إسرائيلي. فهذا بلا شك يستخدمه الإسرائيليون في طروحاتهم،
الهادفة إلى تحجيم نفوذ إيران في الجنوبين السوري واللبناني، في إطار
المسعى الإسرائيلي لتأمين حدودها.
الموفد الأميركي
وهنا
أصبح لا بد من طرح سؤال أساسي، حول ما إذا كانت الضغوط الإسرائيلية
والأميركية، هادفة حقاً إلى تحجيم نفوذ إيران في جنوب لبنان كما في جنوب
سوريا؟ وهذا بلا شك، سيستدعي ردّاً من قبل حزب الله. وهناك من يعتبر أنه
إذا ما أصر الإيرانيون على موقفهم، بمواجهة التفاهم الأميركي الروسي في
سوريا، القائم على بلورة وصاية أميركية روسية على المنطقة مقابل إبعاد
إيران، فإن كل التطورات ستكون مفتوحة على جملة إحتمالات، لا تخلو منها
إمكانية توجيه ضربة إلى القوات الإيرانية، أو القوى المتحالفة معها كحزب
الله في لبنان مثلاً.
لا شك أن الوضع يوحي بالتأزم. لكن هناك من يستبعد إمكانية الذهاب إلى خيار عسكري. فهو ليس في مصلحة الطرفين. وطالما أن هناك قنوات أميركية إيرانية تتفاوض. وبالتالي، فإن منطق التحجيم الأميركي للنفوذ الإيراني في المنطقة، يندرج في إطار المفاوضات، ولا يستند إلى ضربة عسكرية، خصوصاً في ضوء المحادثات غير المباشرة بين إيران وأميركا، وثانياً من خلال زيارة موفد أميركي إلى لبنان، خلال يومين، للبحث في كيفية سحب عوامل التوتر، وإيجاد حلّ لترسيم الحدود، وملف الأنفاق.
منير الربيع/ المدن