لماذا تأخرت زيارة ماكرون لبيروت؟
كثيرة كانت المواعيد التي ضربت لزيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى بيروت في مراحل سابقة، غير أن العوامل التي فرملتها مرات عدة كانت كثيرة. واليوم وبعد عام بالتمام والكمال على الكلام عن محطة لبنانية للرئيس الفرنسي، ليس في المشهد العام ما يشي بأن لبنان بات يمتلك ما يمكن تسميتها “المقومات” الكفيلة لتأمين زيارة ناجحة لماكرون إلى بيروت الغارقة في التناتش العلني للحصص الحكومية، ما يفسر بقاء التشكيل معلقا حتى إشعار آخر.وفي انتظار فك أسر التشكيل، لا تخفي أوساط ديبلوماسية عبر “المركزية” الاستياء الدولي إزاء ما تسميه “تقديم بعض القيادات اللبنانية مصالح الخارج على المصلحة اللبنانية، بدليل رضوخ بعض هؤلاء الفرقاء لأجندات خارجية لا تزال تمنع قيام حكومة لبنانية جديدة على رغم مرور أكثر من 8 أشهر على الانتخابات النيابية اللبنانية، في وقت كان المجتمع الدولي يتطلع إلى تأليف سريع كان أجواء تنفاؤلية ضخت بكثافة في شأنه بعيد الاستحقاق النيابي، تمهيدا لمرحلة جديدة من التعاون مع لبنان.ولا تفوت الأوساط التنبيه إلى أن الشلل الحكومي ليس العامل الوحيد الذي يتمظهر من خلاله رضوخ بعض القوى اللبنانية للأجندات والاملاءات الخارجية، بل ايضاً ما شهده الأسبوع الفائت من تحضيرات للقمة العربية الاقتصادية التي عقدت في بيروت أمس. وفي هذا الاطار، لا تخفي الأوساط استهجان بعض المحاولات لضرب الوضع الأمني المستقر في لبنان، في محاولة للايحاء بأن بيروت غير آمنة ولا تستطيع استضافة حدث عربي جامع بهذا الحجم، في مقابل صمت رسمي مدو إزاء إنزال العلم الليبي عن مقر انعقاد القمة، معطوفا على التعتيم على ما حدث، وعدم وضع النقاط على الحروف.وإذا كان من شأن هذا “التفلت الأمني” أن يفسر انخفاض مستوى التمثيل في القمة التي أرادها لبنان منطلقاً لتأكيد دوره الريادي على الخريطة العربية، فإن الأوساط الديبلوماسية تلفت إلى ضرورة تأليف حكومة لبنانية جديدة في أقرب الآجال، تضع حدا لتأرجح لبنان على حبال المحاور الإقليمية المتناحرة على الأرض السورية، وفي حرب اليمن، وتؤكد التزام بيروت بمندرجات إعلان بعبدا ومقتضيات النأي بالنفس عن أحداث الإقليم المقبلة على مزيد من التصعيد. حكومة لا تزال عالقة بين براثن الشروط والشروط المضادة ينتظرها اللبنانيون، شأنهم في ذلك شأن الرئيس الفرنسي، ليزور لبنان مبدئيا في شباط المقبل، على ما تكشف الأوساط الديبلوماسية لـ”المركزية”. إلا أنها تنبه المراهنين على احتمالات دخول “الأم الحنون” على خط الافراج الاقليمي عن الحكومة اللبنانية الموعودة، إلى أن دوائر القرار الفرنسي الرسمي تستبعد هذا الاحتمال. ذلك أنها تعتبر أن الظروف الراهنة، خصوصا ما يرتبط بالعلاقات بين باريس وطهران، من جهة وفرنسا والمملكة العربية السعودي، من جهة أخرى ليست مؤاتية لإطلاق العنان لوساطة كهذه لأسباب عدة، ليس أقلها قضية مقتل الصحافي السعودي المعارض جمال الخاشقجي، في 2 تشرين الأول 2018، على سبيل المثال لا الحصر.وفي تفسير للارتباط الوثيق الذي يقيمه ماكرون بين زيارته إلى لبنان وتشكيل الحكومة، فإنها تلفت إلى أن جولته في لبنان لا يجوز أن تقتصر على التقاط الصور التذكارية، بل إن جدول أعمالها سيكون حافلا بالفقاش المرتبط بالمرحلة المقبلة، لا سيما في ما يخص متابعة آليات تنفيذ المقررات التي انتهت إليها المؤتمرات الدولية التي عقدت من أجل لبنان، بدفع من الرئيس ماكرون شخصيا، لا سيما منها مؤتمر سيدر الذي استضافته باريس في نيسان الفائت.ومن باب الواقعية السياسية، تختم الأوساط الديبلوماسية بالاشارة إلى أن زيارة ماكرون إلى بيروت معلقة أيضا على تطورات الوضع في فرنسا في ضوء استمرار تحركات وتظاهرات “السترات الصفر” المناوئين لسياسة ماكرون الاقتصادية، وذلك على رغم انطلاق حوار بين السلطة والمعارضة، بدليل أنه ألغى أيضا مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.