قمة استفزاز العرب بالبنود “السورية”
في البحث عن أسباب الدول العربية لخفض تمثيلها، في القمة
الاقتصادية التنموية في بيروت، يمكن الاستناد إلى المداولات التي تخللتها
الجلسات غير العلنية، التي بدأت يوم الجمعة، بعد الجلسة الافتتاحية لوزراء
الخارجية العرب. فإلى جانب التجاذب الإقليمي حول لبنان والوضع في المنطقة،
ثمة أسباب أخرى أكثر لبنانية، قد تكون مسبباً رئيسياً في خفض مستوى
التمثيل، خصوصاً أن لبنان كان يسعى إلى فرض بنود ومقررات على القادة العرب
الذين سيحضرون إلى قمّة بيروت، على قاعدة وضعهم تحت الأمر الواقع، في
مناقشة ملفات غير مطروحة على جدول أعمال القمّة، وهناك اختلاف حول
تفسيراتها إذا ما كانت اقتصادية أم سياسية.
تهريج علني
كان
لبنان يستعدّ لطرح جملة ملفات، بشكل علني، أي أثناء الاجتماعات العلنية،
لحشر الزعماء العرب وإحراجهم، للبحث في موضوعات ليست مدرجة على جدول
الأعمال. هذا الأسلوب في طرح أو فرض المواضيع معهود لبنانياً، ولطالما شهده
اللبنانيون والعرب، الذين يتابعون جلسات مجلس النواب والوزراء في بيروت.
فيعمد طرف سياسي إلى انتظار جاهزية وسائل الإعلام للنقل المباشر، ويثير
موضوعاً ما أو يفجر موقفاً شعبوياً. هذا الأسلوب ثمّة من أراد “التهريج”
فيه خلال انعقاد القمة الاقتصادية.
هذا ما قُرأت إشاراته في كلمة وزير الخارجية جبران باسيل
الافتتاحية لأعمال القمّة. ركّز الوزير على بندين أساسيين، هما ملف
اللاجئين وبخاصة السوريين وفرض عودتهم إلى سوريا، وملف إعادة النظام السوري
إلى الجامعة العربية. العنوانان سياسيان. ومنهما استشفّ البعض المنحى الذي
يريد لبنان أخذ الأمور إليه في القمّة. وهذه توضح الأسباب التي قد تكون
دفعت الزعماء العرب إلى الغياب عن القمّة، طالما أن البنود التي يستعدّ
لبنان لطرحها، هي من خارج جدول أعمال أو اهتمامات هذا النوع من القمم.
عون والتهرّب العربي
منذ
إطلاق التحضيرات للقمة، وقبل ورود الاعتذارات من قبل الزعماء العرب، كان
لبنان يعمل على تسريب أجواء بأن الرئيس ميشال عون سيطرح مبادرة مناسِبة.
ومن بين هذه التسريبات، أن عون سيركز في كلمته على وجوب العمل على إعادة
اللاجئين، وانتزاع موقف عربي في القمّة، يؤيد رغبة لبنان في تأمين عودة
اللاجئين، بمعزل عن الحلّ السياسي في سوريا، بالإضافة إلى طرح مشروع إعادة
الإعمار بسوريا، أيضاً بمعزل عن القرار السياسي والتوافق الدولي، ولو عبر
كلمات منمقة عن تحسين الاقتصادات العربية بعيداً عن الحسابات السياسية.
وهذا أيضاً ما ورد في كلام باسيل حول إعادة الإعمار لمواجهة الدمار، وعدم
الإنصياع لرغبات الدول الخارجية، التي لا تسمح بإطلاق عملية إعادة الإعمار
في سوريا.
لو حضر الزعماء العرب واتخذت قمّتهم هذا المنحى، حينها
سيوضعون أمام خيار من إثنين، إما القبول بالطروحات اللبنانية، أو رفضها.
وفي الحالتين، سيكونون قد وضعوا في موقف حرج، خصوصاً أنهم أصحاب قرار،
وبالتالي لا بد لهم من التبني أو الرفض. تفادياً لهكذا فخ، كان الاكتفاء
بإرسال وفود ممثلة للدول العربية. فلا تكون هذه الوفود قادرة على اتخاذ
قرارات حاسمة. وبالتالي، سيكون متاحاً أمامها طلب تأجيل البحث في هذه
المواضيع، بانتظار مراجعة سلطاتها العليا. وهذا ما جرى تماماً لدى مناقشة
ملفّ اللاجئين السوريين وتوفير العودة الآمنة لهم. البند طرحه وزير
الخارجية جبران باسيل في المداولات المغلقة، فردّ عليه عدد من ممثلي الدول
بأن هذا البند غير مطروح على جدول الأعمال، وهو يرتبط بالوضع السياسي
والعسكري، خصوصاً أن هناك حرباً تشهدها سوريا، وهذا يجب أن يكون متروكاً
لاجتماعات مخصصة. لكن باسيل أصرّ على المضي في طرح الموضوع، معتبراً أنه
يجب تأمين عودة اللاجئين خارج سياق الحلّ السياسي.
باسيل أيضاً وأيضاً
اعتبرت
بعض الوفود العربية أن ملف اللاجئين يمثّل طرحاً سياسياً، يجب أن يأخذ
بعداً آخر في النقاش، وإذا ما أصر لبنان على طرح هذا الملف، فلا بد من طرح
الأسباب التي أدت إلى تهجير اللاجئين، وبالتالي أخذ القمّة إلى الجانب
السياسي، الذي قد يصل إلى إدانة النظام السوري ومن خلفه إيران وعملياتها
العسكرية في سوريا، التي أنتجت هذا التهجير والتغيير الديمغرافي. وهذا
بالطبع لا يمكن للبنان احتماله. وحين أصر باسيل على مبدأ العودة الآمنة،
طالبت بعض الوفود بإضافة كلمة طوعية إلى جانبها، الأمر الذي أدخل المداولات
في نقاشات خلافية أخرى، ما أدى إلى تأجيل البحث في هذا البند، الذي طالبت
بعض الوفود بتجنّبه لأنه طرح سياسي.
وأيضاً من بين الخلافات في المداولات، التي تجلّت خلال المناقشات، كيفية إيصال المساعدات للدول المضيفة للاجئين، فأصر لبنان أن تصل هذه المساعدات إلى الدولة اللبنانية، وليس إلى اللاجئين بشكل مباشر. وفي جانب مرتبط بملف اللاجئين، أثار الإصرار اللبناني على طرح بند إعادة سوريا إلى الجامعة العربية علامات استفهام. هذا الإصرار استمرّ بعد فشل محاولات لبنانية عديدة، قادها باسيل ما قبل القمة مع عدد من الدول العربية، للضغط على الجامعة بغية إقرار إعادة سوريا إليها، وتوجيه الدعوة لها لحضور قمة بيروت. وعلى الرغم من فشل هذا المسعى، أصر لبنان على طرح بند إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، من خلال كلمة باسيل، ومن خلال تضمين هذه النقطة في المبادرة التي سيطلقها عون في خطابه، وهذه أيضاً من بين الأسباب التي دفعت الدول العربية إلى خفض مستوى تمثيلها، خصوصاً أن هذه النقطة تمثّل خلافاً سياسياً، وظروف عودة سوريا إلى الجامعة لم تنضج بعد، على حدّ تعبير أمين عام الجامعة أحمد أبو الغيط.
منير الربيع/المدن