الاقتصاد في البيان الوزاري.. هل هو حبر على ورق؟
زخر البيان الوزاري، الذي أقرته الحكومة الجديدة، بالأهداف الاقتصادية. يرقى بعضها إلى مستوى الحلول النهائية لأزمات اقتصادية وقطاعية. كما أن التوافق التام بين كافة الفرقاء السياسيين على الأهداف الاقتصادية، المدرجة في البيان الوزاري، يوحي بنهاية قريبة لغالبية الأزمات الاقتصادية والمالية، التي يغرق فيها البلد منذ سنوات.
تضاؤل الآمال
لكن
إذا ما قارنّا الأهداف الاقتصادية، التي وردت في البيان الوزاري الآن، مع
تلك الواردة في بيان الحكومة السابقة، وفنّدنا ما تم تحقيقه على مدار
السنتين السابقتين من قبل الحكومة السابقة، التي وُصفت بالتوافقية، ستتضاءل
آمالنا تدريجياً بتنفيذ أي من الوعود والأهداف، الواردة في البيان الوزاري
الجديد، لاسيما أن غالبية ما ورد في الشق الاقتصادي للبيان الوزاري السابق
ما زال حبراً على ورق. ولم يخرج إلى طور التنفيذ، على الرغم من التوافق
وقتذاك، على كل ما ورد في البيان الوزاري.
أثبتت التجارب السابقة بأن الأهداف الاقتصادية الواردة في البيان الوزاري للحكومات المتعاقبة، لم تكن سوى إضافات شكلية أو “ديكور”، يتكرر في كل بيان وزاري، مع تعديله بما يتناسب وحجم الأزمات الاقتصادية المتفاقمة على مر الحكومات.
وليس تشاؤماً أن ننظر إلى ما ورد في الشق الاقتصادي من البيان
الوزاري كأهداف بعيدة المنال، أنما واقع الإنجازات في عهد الحكومة
السابقة، يقطع الطريق أمام أي تفاؤل بالتزام الحكومة الحالية تنفيذ بيانها
الوزاري، وتطبيق الإصلاحات الواردة فيه، نظراً لكون المكونات السياسية
المتواجدة في الحكومة السابقة، هي نفسها التي أدخلت البلد في فراغ حكومي
لتسعة أشهر، ثم توافقت على تشكيل حكومة شبه متطابقة مع سابقتها.
الحكومة السابقة..لا إنجازات
وقبل
المرور بأبرز ما ورد في الشق الاقتصادي من البيان الوزاري للحكومة
الحالية، لا بد من العودة إلى الحكومة السابقة، التي رغم ترسيخها الإصلاح
الاقتصادي في بيانها الوزاري، إلا أن إنجازاتها تكاد تكون معدومة، باستثناء
إقرار موازنة العام 2017 (بكل ثغراتها وتجاوزاتها). فالحكومة السابقة
التزمت، حسب البيان الوزاري، إيلاء قطاع تكنولوجيا المعلوماتية والاتصالات
الاهتمام الكافي، كمدخل إلى اقتصاد المعرفة. وتعهدت ببدء العمل على معالجة
أزمات الكهرباء والمياه، مروراً بأزمات السير والملفات البيئية ومشكلة
النفايات ومشكلة تلوث مياه نهر الليطاني. ولم تباشر الحكومة السابقة أياً
من تلك الإصلاحات.
ورغم تعهد الحكومة السابقة بوضع استراتيجية وطنية عامة، لمكافحة الفساد، واتخاذ إجراءات سريعة وفعّالة في القطاعات الأكثر عرضة للفساد، وبرفع اليد السياسية عن الأجهزة الرقابية، استمر الوضع على ما كان عليه. لا بل أكثر من ذلك، عمدت الحكومة الجديدة، إلى إلغاء وزارة الدولة لشؤون مكافحة الفساد، بدلاً من منحها صلاحيات تنفيذية.
ولم تتردد الحكومة السابقة في بيانها الوزاري بالتعهد بملء الشواغر، في الإدارات والمؤسسات العامة، بأصحاب الكفاءات. لكن ما حصل أنه تم توظيف 5000 موظف جديد لأسباب انتخابية بحتة.
ومن سخرية القدر أن البيان الوزاري السابق شمل أيضاَ بنداً،
تعهدت فيه الحكومة بالعمل على إنهاء ملف المهجرين، تمهيداً لإلغاء وزارة
المهجرين، وكانت النتيجة أن ملف المهجرين الذي يعود إلى عشرات الأعوام، لا
زال عالقاً. ووزارة المهجرين لا زالت صامدة في الحكومة الجديدة. لماذا؟
لأنها ببساطة باتت باباً للزبائنية السياسية، وعلى حساب مالية الدولة وجيوب
المواطنين.
وعود إصلاحية
ما ورد في الشق الاقتصادي في
البيان الوزاري للحكومة الجديدة يجسّد “دقة” المرحلة الراهنة، وارتفاع
مخاطرها الاقتصادية. ويتماشى من دون شك، والوعود التي أطلقها لبنان امام
المانحين الدوليين في مؤتمر “سيدر”.
ويحتّم واقع الأزمة الاقتصادية، على الحكومة السير بالإصلاحات الاقتصادية الواردة في البيان الوزاري، لاسيما لجهة خفض العجز ومكافحة الفساد. فالإخفاق هذه المرة لن تكون ارتداداته أقل من “انهيار” اقتصادي.
وأبرز ما تضمنه البيان الوزاري للحكومة الجديدة، إلى جانب المحافظة على الإستقرار النقدي، إجراء تصحيح مالي بمعدل 1 في المئة سنوياً، على مدى 5 سنوات، من خلال زيادة الإيرادات وتقليص الإنفاق، بدءاً من خفض العجز السنوي لكهرباء لبنان، وصولاً إلى إلغائه كلياً. ولن يكون ذلك بالأمر السهل. إذ يُعد ملف الكهرباء من أكبر الملفات الخلافية في البلد. ومن المعلوم، أن ملف إنشاء معامل لإنتاج الطاقة، وما يرافقها من خلافات على التعهدات، وملف العاملين في قطاع الكهرباء، وشركات مقدمي الخدمات، وملف العدادات والتعرفة الكهربائية.. كلها ملفات متأزمة، تقع رهينة الفساد منذ سنوات. وتشكّل جوهر الأزمة في قطاع الكهرباء. فإلى أي مدى يمكن لهذه الحكومة تحقيق إنجازات في ملف الكهرباء، وخفض عجز الشركة البالغ ملياريّ دولار سنوياً؟
وتلتزم الحكومة الجديدة في بيانها الوزاري التنفيذ السريع والفعال لبرنامج اقتصادي إصلاحي استثماري خدماتي واجتماعي، يستند إلى الركائز الواردة في رؤية الحكومة اللبنانية، المقدمة إلى مؤتمر “سيدر”، والمبادرات التي أوصت بها دراسة الاستشاري “ماكينزي”، وتوصيات المجلس الاقتصادي الاجتماعي، باعتبار هذا البرنامج سلّة متكاملة من التشريعات المالية والاستثمارية والقطاعية، مع عدد من الإجراءات الإصلاحية، التي يرتبط نجاحها بعدم تجزئتها أو تنفيذها انتقائياً.
ويتطرق البيان الوزاري إلى الإصلاحات القطاعية. إذ يؤكد التزام الحكومة بالشراكة مع القطاع الخاص، تأمين التغذية الكهربائية 24 على 24 ساعة، وإعادة التوازن المالي لمؤسسة كهرباء لبنان، بالحدّ من الهدر التقني والمالي، وتثبيت حق لبنان الكامل في موارده الطبيعية في المنطقة الاقتصادية الخالصة، من خلال تثبيت حدوده البحرية، وتلزيم تراخيص بلوكات الدورة الثانية قبل نهاية العام 2019، وإصدار المراسيم التطبيقية لقانون دعم الشفافية في قطاع البترول. وكذلك، استكمال تنفيذ خطة إدارة النفايات الصلبة، التي أقرّتها الحكومة السابقة، وإصدار المراسيم التطبيقية لقانون الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة.
المدن